وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي " أَدَبِ الْجَدَلِ ": اخْتَلَفُوا فِي الْقِيَاسِ إذَا كَانَ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ: إنَّهُ مَائِعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَوْلِ وَالْمَرَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: إنَّهُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ حُكْمَهُ مَجْهُولٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ النَّفْيِ، سَوَاءٌ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ فِي الْإِثْبَاتِ، أَوْ فِي الْفَرْعِ فِي النَّفْيِ وَفِي الْأَصْلِ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّنَا فِي الْأُولَى نَقِيسُ الشَّيْءَ عَلَى نَظِيرِهِ وَمِثْلِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ نَقِيسُهُ عَلَى ضِدِّهِ وَنَقِيضِهِ فَامْتَنَعَ. وَقِيلَ: إنْ ابْتَدَأَ الْمَسْئُولُ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ جَازَ، وَإِنْ قَلَبَهَا عَلَى خَصْمِهِ بِمِثْلِهَا لَمْ يَجُزْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فِي أَنَّهُ إذَا قَابَلَ قِيَاسًا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، فَقِيلَ: الْقِيَاسُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ التَّسْوِيَةَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِالْحُكْمِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ دَرَجَةٍ أُخْرَى فَيُخَالِفُ قِيَاسَ التَّسْوِيَةِ. وَقِيلَ: قِيَاسُ التَّسْوِيَةِ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ التَّشْبِيهَ أَكْثَرَ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَهْلٌ الصُّعْلُوكِيُّ فِي بَعْضِ الْمُنَاظَرَاتِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى.
الثَّالِثُ مِنْ الْأَضْرُبِ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعِلَّةِ إثْبَاتَ التَّأْثِيرِ بِمَعْنًى، كَقَوْلِنَا فِي كَرَاهَةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْفَمِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلصَّوْمِ فِيهِ تَأْثِيرٌ كَالْمَضْمَضَةِ، فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ صَحِيحٌ، وَالْقَصْدُ بِالْعِلَّةِ إثْبَاتُ حُكْمِ التَّأْثِيرِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute