قَالَ: وَهَذَا تَفْصِيلُ أَصْحَابِنَا فِي الْقِيَاسِ الْمَخْصُوصِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنَّ الْمَخْصُوصَ بِالْأَثَرِ مِنْ جُمْلَةِ قِيَاسِ الْأُصُولِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ مُعَلَّلًا، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ، أَوْ يَتَّفِقَ الْقَائِلُونَ بِالْقِيَاسِ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ نَظَائِرُهُ وَإِنْ خَالَفَ قِيَاسَ الْأُصُولِ كَقَوْلِهِمْ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ: إنَّ قِيَاسَ الْأُصُولِ أَنَّ مَا كَانَ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ كَانَ حَدَثًا فِي غَيْرِهَا إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ مَتْرُوكٌ بِالْخَبَرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا الْقَهْقَهَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي خَصَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ إنَّمَا وَرَدَ فِي صَلَاةٍ لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْبَيَانِ " فِي كِتَابِ الْحَجِّ: الْمَنْصُوصُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا: مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ، كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَأَرْكَانِهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ يُقَسْ عَلَيْهَا وُجُوبُ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ، وَالثَّانِي: مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحَاجَةُ إلَى لُبْسِهِ، وَالْمَشَقَّةُ فِي نَزْعِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْعِمَامَةِ وَالْقُفَّازَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَحَلِّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ لِأَجْلِ الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ عُقِلَ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّخَلُّفُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَرَضِ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ عُقِلَ مَعْنَاهُ وَهُوَ قِيمَةُ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهَا، فَلَمْ يُقَسْ عَلَيْهَا الْحَدِيدُ وَالرُّصَاصُ. وَالثَّالِثُ: مَا عُقِلَ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ كَتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ. تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ فِيهِ تَغْلِيظًا لَكِنَّ كَلَامَ أَصْحَابِنَا يُخَالِفُ هَذَا فَإِنَّهُمْ أَلْحَقُوا عَرَقَ الْكَلْبِ وَرَوَثَهُ وَجَمِيعَ أَجْزَائِهِ بِسُؤْرِهِ وَجَعَلُوهُ كَإِلْحَاقِ الْأَمَةِ بِالْعَبْدِ، وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ وَمَأْخَذُهُ مَا ذَكَرْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute