للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَشْفُ عَنْ الدَّلِيلِ الْمُبَيِّنِ لَهُ، قَالُوا: وَلَهُ فِي الْأَصْلِ دَلِيلَانِ.

أَحَدُهُمَا: النَّصُّ، وَلَهُ حُكْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَيَانُ الشَّرِيعَةِ، وَالثَّانِي: بَيَانُ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ. وَفِي الْفَرْعِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَدْرَكَ حُكْمِهِ بِوُجُوهٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ. ثُمَّ يَعْرِفُ حُكْمَ غَيْرِهِ بِبَعْضِ أَدِلَّتِهِ وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ بِالْعِلَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا النَّصُّ، وَحَظُّ النَّصِّ فِيهَا التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْإِبْيَارِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا اسْتَنْبَطَ مِنْ مَحَلِّ عُمُومِ عِلَّةٍ خَاصَّةٍ تَخْصِيصَ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ بِمَثَابَةِ اسْتِنْبَاطِ الْإِسْكَارِ مِنْ آيَةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّبِيذِ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّبِيذِ هُوَ الْمُسْتَنِدُ إلَى الْعِلَّةِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْخَمْرِ فَيَسْتَنِدُ إلَى اللَّفْظِ الْعَامِّ.

قَالَ ابْنُ النَّفِيسِ فِي " الْإِيضَاحِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الشَّافِعِيَّةِ ثُبُوتَهُ بِالْعِلَّةِ فَظَنُّ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِالنَّصِّ لِأَجْلِ الْعِلَّةِ لَا لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ لَهُ بِدُونِ النَّصِّ. وَلَا أَنَّهَا جُزْءُ الْمُوجِبِ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، وَكَذَا زَعَمَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى، لِأَنَّ النَّصَّ لَا شَكَّ أَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ أَيْ ثَبَتَ عِنْدَنَا بِهِ الْحُكْمُ. وَالْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ يُفْسِدُهُ بِالْبَاعِثِ هُوَ الَّذِي اقْتَضَى الْحُكْمَ، فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ أَيْ عُرِفَ بِهِ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَلَا يُنَازَعُ فِيهِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْمُقْتَضَى وَالْبَاعِثَ هُوَ الْمَعْنَى فَلَا يُنَازِعُهُ الْآخَرُ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>