وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَلَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ. أَمَّا أَصْلُهُ فَيَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ: فَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ، فَحُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِهَا، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ بِجَعْلِ اللَّهِ. وَأَمَّا مَنْ يُفَسِّرُهَا بِالْبَاعِثِ فَمَعْنَى أَنَّهُ شُرِعَ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ مَشْرُوعِيَّتَهُ وَبَعَثَتْ عَلَيْهِ فَفِي الْقَاصِرَةِ فَائِدَةُ مَعْرِفَةِ الْبَاعِثِ وَأَمَّا مَنْ يُفَسِّرُهَا بِالْمُعَرِّفِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا تُعَرِّفُ حُكْمَ الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِهَا، وَقَدْ تَجْتَمِعُ هِيَ وَالنَّصُّ فَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ مُعَرِّفَيْنِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا فِي حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ مُعَرِّفَيْنِ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ، وَأَنَّ نِسْبَةَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ إلَى الْعِلَّةِ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا فَرْعُهُ فَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ، فَمَنْ جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِهَا قَالَ: الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ بِالْعِلَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا فَائِدَةٌ، وَلِهَذَا فِي التَّعْدِيَةِ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْمُقَايَسَةِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ. وَذَكَرَ الْإِبْيَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ تَحْرِيمَ قَلِيلِ النَّبِيذِ وَكَثِيرِهِ كَالْخَمْرِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ لَا يَحْرُمُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ، بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ قَلِيلَهُ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ وَحُرْمَةِ النَّبِيذِ، وَالْفَرْعُ ثَابِتٌ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ قَدْرٌ لَا يُسْكِرُ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: هَذَا الْخِلَافُ فِي النَّصِّ ذِي الْعِلَّةِ. أَمَّا التَّعَبُّدِيُّ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ هُنَاكَ ثَابِتٌ بِالْعِلَّةِ، وَظَنَّ الْهِنْدِيُّ أَنَّ كَلَامَ أَصْحَابِنَا عَلَى إطْلَاقِهِ فَرَدَّدَ الْقَوْلَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: صَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: " ثَابِتٌ عِنْدَ الْعِلَّةِ " لَا " بِهَا " وَكَأَنَّ الشَّارِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute