إذَا لَمْ يَكُنْ لِحُكْمِ الْفَرْعِ دَلِيلٌ سِوَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ آخَرُ وَذِكْرُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ لِلْخَصْمِ لَا بِطَرِيقِ تَقْوِيَةِ الْمَأْخَذِ، أَوْ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ الدَّلِيلُ عَنْ الْمَدْلُولِ - كَالْعَالِمِ عَلَى الصَّانِعِ - جَازَ تَأَخُّرُهُ، لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَتَوَارُدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَفَرُّعِهِ عَنْ الْأَصْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ غَيْرُهُ أَمْ لَا.
الثَّامِنُ: شَرَطَ أَبُو هَاشِمٍ دَلَالَةَ دَلِيلٍ غَيْرِ الْقِيَاسِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَيَكُونُ حَظُّ الْقِيَاسِ إبَانَةَ فَيْصَلِهِ وَالْكَشْفَ عَنْ مَوْضُوعِهِ، وَحَكَاهُ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَيْضًا، وَرَدَّدَهُ بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ تَشَوَّفُوا إلَى إجْرَاءِ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلْأَوْصَافِ الْمُخَيَّلَةِ الْمُؤَثِّرَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَقَدْ أَثْبَتُوا قَوْلَهُ " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ " بِالْقِيَاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَصٌّ عَلَى جِهَةِ الْجُمْلَةِ عَلَى وَجْهٍ مَا لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: ٨٧] ، إنَّمَا يُمْكِنُ عَنْ الْمَنْعِ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَلَا يُفِيدُ حُكْمُهُ إذَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ (قَالَ) : وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُمْ عَلِمُوا لَهُ أَصْلًا غَابَ عَنَّا.
تَنْبِيهٌ
جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْفَرْعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. وَالْحَقُّ جَوَازُهُ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَعَدَّى الْحُكْمَ مِنْ الْمَنْصُوصِ إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ بِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute