مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَمَعْنَاهُ: طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ تَفْتَرِقَانِ؟ وَمَنَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " هَذَا الشَّرْطَ، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَمَارَاتٍ مُتَقَدِّمَةً وَمُتَأَخِّرَةً، فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْمُتَقَدِّمِ مِنْهَا وَالْمُتَأَخِّرِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَجُوزُ تَأَخُّرُهُ عَنْ ثُبُوتِهِ. وَلِهَذَا مُعْجِزَاتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا قَارَنَ نُبُوَّتَهُ، وَمِنْهَا مَا تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عَلَى نُبُوَّتِهِ بِمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الْمَظْنُونَةِ وَكَذَا نَقَلَ إلْكِيَا فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَالَمَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْقَدِيمِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْقَدِيمِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ. فَإِنَّا لَا نَسْتَدِلُّ بِوُجُودِ الْعَالِمِ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ قَطْعًا. وَإِنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا بِالْعَالِمِ عَلَى الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ. فَيَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ هُنَا: النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ كَانَتْ ثَابِتَةً بِدَلِيلِهَا، وَهُوَ إخَالَةٌ وَمُنَاسَبَةٌ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ، فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ إلَى أَنْ شُرِعَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ فَرْعًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ وَمُعَرِّفَاتٌ لَهَا وَتَقْدِيمُهَا كَالدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: قَوْلُهُمْ لَا يُسْتَفَادُ حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا إلَّا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. قَالَ: قَالُوا: هَذَا إذَنْ يَكُونُ نَسْخًا. وَإِنَّمَا هُوَ ضَمُّ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا الشَّرْطُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ إذَا تَوَقَّفَ اسْتِنَادُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ، لِأَنَّ الْمُحَالَ إنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ مَنْشَأُ الِاسْتِحَالَةِ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ لِعَدَمِ النَّصِّ انْتَفَى وَجْهُ الِاسْتِحَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: نَعَمْ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ لِتَسَاوِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمَعْنَى. وَقَالَ الرَّازِيَّ وَالْهِنْدِيُّ: هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute