أَنَّهَا صَحِيحَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَرَيَانِ، هَلْ هُوَ دَلَالَةُ صِحَّةِ الْعِلَّةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَمَعْنَى الْجَرَيَانِ هُوَ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى الْأُصُولِ حَتَّى لَا يَدْفَعَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ.
مَسْأَلَةٌ
فِي أَنَّ الْعِلَّةَ هَلْ هِيَ دَلِيلٌ عَلَى اسْمِ الْفَرْعِ ثُمَّ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ؟ هَكَذَا تَرْجَمَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ " هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَحَكَى عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ الْأَسْمَاءُ فِي الْفُرُوعِ ثُمَّ تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ، وَكَانَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَرِكَةٌ، ثُمَّ يَجْعَلُهَا مَوْرُوثَةً، وَأَنَّ وَطْءَ الْبَهِيمَةِ زِنًى ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ. وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَانَ يَقِيسُ النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ فِي تَسْمِيَتِهِ خَمْرًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الشِّدَّةِ ثُمَّ يُحَرِّمُهُ بِالْآيَةِ. وَأَكْثَرُ الْقَيَّاسِينَ عَلَى أَنَّ الْعِلَلَ ثَبَتَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَمْنَعُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْفُرُوعِ بِالْعِلَلِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَسَائِلِ إنَّمَا تُعَلَّلُ فِيهَا أَحْكَامُهَا دُونَ أَسْمَائِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْعِلَلَ قَدْ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْأَسْمَاءِ فِي بَعْضِ الْمَوَانِعِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى الْأَحْكَامِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِلَلِ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ وَبِالْأَسْمَاءِ الْأَسْمَاءَ اللُّغَوِيَّةَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّ اللُّغَةَ أَسْبَقُ مِنْ الشَّرْعِ، وَلِتَقَدُّمِ اللُّغَةِ خَاطَبَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ أَسْمَائِهَا بِأُمُورٍ طَارِئَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي اللَّهِ بِقِيَاسٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ نَحْوُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْجِسْمَ الَّذِي حَضَرَهُمْ بِأَنَّهُ أَبْيَضُ لِوُجُودِ الْبَيَاضِ، قِسْنَا مَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ الْأَجْسَامِ الْبِيضِ فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مِنْ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَثْبُتُ بِالْعِلَلِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَيْضًا انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute