نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ وَلَا دَلِيلَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُكْمُ الْعِلَّةِ تَوَقُّفُ حُكْمِ النَّصِّ بِالْوَصْفِ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ الْقَاصِرَةَ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ، وَالثَّانِيَةُ: امْتِنَاعُ تَعَدِّيهَا إلَى فَرْعٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ: لَا. قُلْتُ: وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِالْأَصْلِ أَوْ الْعِلَّةِ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ ثُبُوتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ ثُبُوتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِهَا. ثُمَّ إنْ وُجِدَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ الْقَاصِرَةَ هَلْ تَصِحُّ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَنَا: تَصِحُّ، وَعِنْدَهُمْ: لَا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا جَرَى الِاخْتِلَافُ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ هَلْ هُوَ عِلَّةُ الْعِصْمَةِ أَمْ لَا؟ وَكَذَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَنَا عِلَّةٌ لِلضَّمَانِ وَعِنْدَهُمْ: لَيْسَ بِعِلَّةٍ.
مَسْأَلَةٌ
الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا، لِأَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ كَالْحُكْمِ، فَكَمَا لَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْحُكْمِ فَكَذَا الْعِلَّةُ. قَالُوا: وَإِذَا ثَبَتَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِمَعْنًى أَبْدَاهُ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِتَصْحِيحِ دَعْوَاهُ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّهُ لَا تُسَوَّغُ هَذِهِ الْمُطَالَبَةُ، لَكِنْ عَلَى الْمُعْتَرِضِ أَنْ يُبْطِلَ مَعْنَاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مُبْطِلٌ لَهُ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ فَسَادِ الطَّرْدِ، وَسَتَأْتِي مَسَالِكُ الْعِلَّةِ الدَّالَّةُ عَلَى صِحَّتِهَا، وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: نَعْلَمُ صِحَّةَ الْعِلَّةِ بِوُجُودِ الْحُكْمِ بِوُجُودِهَا وَارْتِفَاعِهِ بِارْتِفَاعِهَا وَلَا يَرْفَعُهَا أَصْلٌ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَحْتَاجُ إلَى دَلَالَتَيْنِ يُعْلَمُ بِأَحَدِهِمَا أَنَّهُ عِلَّةٌ وَبِالْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute