الْخِلَافِ - انْبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْصِبُ أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ إلَّا بِمُنَاسَبَةٍ أَوْ مَظِنَّةِ مَعْنًى يُنَاسِبُ، وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَا لِمَصْلَحَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمُنَاسِبِ مَصْلَحَةٌ وَأَقَرَّ التَّعْرِيفَ وَالْعَلَامَةَ وَصَارَ لَهُ طَرِيقَانِ: ظُهُورُ الْمُنَاسِبِ، وَمَحْضُ الْعَلَامَةِ. قُلْنَا: لَا يَجُوزُ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْنَا. عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الطَّرْدِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَحْكَامُ الضِّمْنِيَّةُ لَا تُعَلَّلُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا سَافَرَ إلَى بَلَدٍ لَزِمَ مِنْهُ نَقْلُ الْأَقْدَامِ وَقَطْعُ الْمَسَافَاتِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يُعَلَّلُ لِعَدَمِ خُطُورِهِ بِبَالِهِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ، فَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَلَا، لِأَنَّ الشَّارِعَ لِلْأَحْكَامِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَتَحَقُّقُ شَرَائِطِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَصَالِحِ مُضَافٌ وَمُعَلَّلٌ، لِأَنَّ شَرْطَ الْإِضَافَةِ لَيْسَ إلَّا الْعِلْمُ وَالْخُطُورُ بِالْبَالِ.
هَلْ الْأَصْلُ فِي الْأُصُولِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا مُعَلَّلَةً، أَوْ الْأَصْلُ أَنَّهَا مُعَلَّلَةٌ إلَّا لِدَلِيلٍ مَانِعٍ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الدَّبُوسِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ. قَالَا: وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا مُعَلَّلَةٌ < m s=١> فِي الْأَصْلِ، إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِجَوَازِ التَّعْلِيلِ فِي كُلِّ أَصْلٍ مِنْ دَلِيلٍ يُمَيِّزُ. قَالَا: وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ قِيَامِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَلَّلًا فِي الْحَالِ.
قَالَ الدَّبُوسِيُّ: حُكْمُ الْعِلَّةِ عِنْدَنَا تَعْدِيَةُ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُعَلَّلِ إلَى فَرْعٍ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute