وَقَالَ فِي " الْقَوَاطِعِ ": إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَقَالُوا: تَخْصِيصُهَا نَقْضٌ لَهَا، وَنَقْضُهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَهَا. قَالَ: وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ بَاطِلٌ، وَمَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَقَدْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالسَّفَهِ وَالْعَبَثِ، لِأَنَّهُ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ إذْ الْعِلَّةُ شُرِعَتْ لِلْحُكْمِ، وَالْكَلَامِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِذَا خَلَا الْفِعْلُ عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ يَكُونُ عَبَثًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، أَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ يُشْبِهُ الْإِبْدَاءَ أَوْ النَّاسِخَ وَكِلَاهُمَا لَا يُدْخِلُ الْعِلَلَ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْمُلَخَّصِ " لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ سَوَاءٌ الْمَنْصُوصَةُ وَالْمُسْتَنْبَطَةُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ ": الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى جَوْهَرِ عِلَّةِ الشَّارِعِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعَمِّ الصِّيَغِ، وَلَا نَظُنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ أَنْ يُنَصَّبَ عَلَمًا ثُمَّ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، نَعَمْ يَتَطَرَّقُ إلَى مَحَلِّ كَلَامِهِ بِتَخْصِيصِ بَعْضِ الْمَحَالِّ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] فَيَذْكُرُ الْمَحَلَّ دُونَ الْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُسْتَنْبَطَةِ حَيْثُ امْتَنَعَ فِيهَا أَنَّ الْمَنْصُوصَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ، بَلْ هِيَ كَالِاسْمِ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِدَلَالَةِ الْعُمُومِ، وَأَيْضًا فَإِنَّمَا جَازَ تَخْصِيصُهَا لِأَنَّ وَاضِعَهَا قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا عِنْدَ إطْلَاقِهَا الْعُمُومَ فَصَارَ كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَالْمُعَلَّلُ يَقْصِدُ بِالْعِلَّةِ جَمِيعَ مَعْلُولَاتِهَا، فَإِذَا وُجِدَتْ وَلَا حُكْمَ كَانَ نَقْضًا، وَحَكَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute