الْخَامِسُ: أَنَّ إلْكِيَا الطَّبَرِيَّ قَسَمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِحَسَبِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْآخَرُ: الْمُجْتَهِدُ.
فَأَمَّا الْمُنَاظَرَةُ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا النَّقْضُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ لَمْ أَحْكُمْ بِمِثْلِ مَا حَكَمْت بِهِ هَاهُنَا لِمَانِعٍ وَيَتَكَلَّفُ عُذْرًا، أَمْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُنَاقِضُ كَلَامَهُ فَلَزِمَهُ أَنْ يَسْكُتَ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَيَتْبَعُ الْعِلَّةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي مَحَالِّهَا ثُمَّ حَكَى الْخِلَافَ السَّابِقَ.
السَّادِسُ: أَنَّ الْمَانِعِينَ تَعَلَّقُوا بِأَنَّ التَّخْصِيصَ يُؤَدِّي إلَى تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً فِي ضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيُجْرِيهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلُهُ، لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الْمَعْنَى تَعَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ جَعَلَ الْمُعَلِّلُ مَا خَالَفَ حُكْمَهُ مَخْصُوصًا، وَمَا وَافَقَهُ تَعْمِيمًا. فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ جَعَلَ " مَا جَعَلَهُ أَصْلًا " مَخْصُوصًا وَمَا " جَعَلَهُ مَخْصُوصًا " أَصْلًا. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُعَلِّلُ: طَهَارَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ قِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ، فَيُقَالُ: بَاطِلٌ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَيَقُولُ: إنَّهَا مَخْصُوصَةٌ، فَتُقْلَبُ عَلَيْهِ فَتَقُولُ: طَهَارَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لِيُقَالَ: بَاطِلٌ بِالتَّيَمُّمِ فَيَقُولُ: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ بِإِخَالَتِهَا وَتَأْثِيرِهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَفِيمَا عَدَاهُ لَا يَكُونُ دَلَالَتُهَا مِنْ نَاحِيَةِ الِاطِّرَادِ فَقَطْ لَكِنْ مِنْ نَاحِيَةِ التَّأْثِيرِ وَالْإِخَالَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ تَنَاقُضُ شَهَادَتِهِمَا حِينَئِذٍ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّلَالَةُ تُتَلَقَّى مِنْ الِاطِّرَادِ الْمَحْضِ فَيَتَّجِهُ ادِّعَاءُ التَّكَافُؤِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ إنْ صَحَّ الْقَوْلُ بِالطَّرْدِ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: تَقُولُ لِمَنْ خَصَّ الْعِلَّةَ بِمَا اسْتَنْبَطَ: عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ؟ إنْ ادَّعَيْت عُمُومَهُ وَاسْتِغْرَاقَهُ بَطَلَتْ الدَّعْوَى بِالْمُنَاقَضَةِ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ عُمُومَهُ وَقُلْت: إنَّهَا عِلَّةٌ فِي مَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ فَلَعَلَّهَا عِلَّةٌ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ دُونَ الْفَرْعِ. ثُمَّ قَالَ إلْكِيَا: مَنْ اشْتَرَطَ الِاطِّرَادَ وَمَنْعَ التَّخْصِيصِ فَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ اطِّرَادَ كُلِّ عِلَّةٍ فِي فُرُوعِ مَعْلُولَاتِهَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute