للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمَدْلُولِ وَإِلَى هَذَا الشَّرْطِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَشَارَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ: لَا تَكُونُ الْعِلَّةُ عِلَّةً حَتَّى يُقْبِلَ الْحُكْمُ بِإِقْبَالِهَا وَيُدْبِرَ بِإِدْبَارِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ شَرْطًا، أَمَّا الْعَقْلِيَّةُ فَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ فِيهَا، لَكِنْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَكْسُهَا وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ، فَقَالَ: وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْعَكْسَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ وَمَا أَوْجَبُوهُ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْعَقْلِيَّةِ فَذَكَرَهُ. وَنَقَلَ الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِنَقْلِهِ أَوَّلًا، تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ الْأَدِلَّةَ هِيَ الْعِلَلُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلِيلِ الِانْعِكَاسُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ كَالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ. وَأَخَذَ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " مِنْ النَّصِّ السَّابِقِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ فَقَالَ: وَصَارَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ اللَّبَّانِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ شُرُوطِهَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِي الشَّرْعِيِّ عَلَى مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، بَلْ إذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ بِعَدَمِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إثْبَاتُ الْحُكْمِ دُونَ نَفْيِهِ، كَمَا يَصِحُّ الْمَعْنَى إذَا اطَّرَدَ وَلَمْ يَنْعَكِسْ. وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَأَتْبَاعُهُ، وَنَقَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>