وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ، كَالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَلِأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ فِي ارْتِفَاعِهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّأْثِيرِ فِي وُجُودِهَا. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الرِّبَا: إنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ إنْ تَعَدَّدَتْ الْعِلَّةُ فَلَا يُطَالَبُ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّا نُجَوِّزُ ازْدِحَامَ الْعِلَلِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، فَلَا مَطْمَعَ فِي الْعَكْسِ مَعَهُ. وَكَذَا إذَا اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَى حَدِيثٍ عَامٍّ وَقِيَاسٍ، فَقَدْ لَا يَطَّرِدُ الْقِيَاسُ وَيَطَّرِدُ الْحَدِيثُ فَلَا يُطْلَبُ الْعَكْسُ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَكْسِهَا، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلَّةِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ، بَلْ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْعِلَّةُ وَانْتَفَتْ فَلَوْ بَقِيَ الْحُكْمُ لَكَانَ ثَابِتًا بِغَيْرِ سَبَبٍ. أَمَّا حَيْثُ تَعَدَّدَتْ الْعِلَّةُ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ بَعْضِ الْعِلَلِ بَلْ عِنْدَ انْتِفَاءِ جَمِيعِهَا. وَأَطَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ. قَالَ فِي " الْمَنْخُولِ ": فَكَأَنَّمَا نَقُولُ: شَرْطُ الْعِلَّةِ الِانْعِكَاسُ إلَّا لِمَانِعٍ. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ خِلَافٌ وَنِزَاعٌ لِأَحَدٍ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَرْعُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الِانْعِكَاسِ جُمْلَةً أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا بِاتِّحَادِ الْعِلَّةِ أَوْ بِجَوَازِ اجْتِمَاعِهَا. وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فَقَالَ: أَمَّا الْتِزَامُ الْعَكْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءِ تَوْقِيفِ مَانِعٍ فَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَنَا. وَالْإِنْصَافُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَازِمٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَلَا يَحْسُنُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فِي الْمُنَاظَرَةِ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَدْرِيسِهِ " فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: ثُمَّ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا الْعَكْسَ اخْتَلَفُوا: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ عَكْسٍ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute