أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ وَأَقْبَضَهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي أَدَلُّ، لِأَنَّ عَدَمَ التَّأْرِيخِ فِي الْعَقْدَيْنِ يُوجِبُ عِنْدَهُمْ وُقُوعَهُمَا مَعًا فِي الْحُكْمِ.
وَمَتَى وَقَعَا سَبَقَ وُقُوعُ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ بِالْهِبَةِ، لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْهِبَةُ لَا تُوجِبُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَهَذِهِ الْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ تُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْبَيْعِ دُونَ الْهِبَةِ. ثُمَّ قَالُوا: لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّهْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ، وَشَهِدَتْ الشَّهَادَتَانِ عَلَى الْقَبْضِ كَانَ الرَّهْنُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ، لِأَنَّهُمَا قَدْ تَسَاوَيَا فِي أَنَّ شَرْطَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَبْضَ، وَالرَّهْنَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ ضَمَانِ الدَّيْنِ وَالثَّمَنِ فَقَاسُوا الرَّهْنَ عَلَى الْبَيْعِ بِعِلَّةٍ غَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ كَوْنَ الْبَيْعِ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ لَيْسَتْ هِيَ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ، بَلْ مِثْلُهَا.
الشَّرْطُ الْعَاشِرُ: أَنْ لَا تَكُونَ فِي الْفَرْعِ مُوجِبَةً حُكْمًا، وَفِي الْأَصْلِ حُكْمًا آخَرَ غَيْرَهُ، كَاعْتِلَالِ مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَنْ أَمْوَالِهِمْ بِعِلَّةِ الصِّغَرِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُهَا فِي الْفَرْعِ غَيْرَ حُكْمِهَا فِي الْأَصْلِ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ لَا تُوجِبَ ضِدَّيْنِ، بِأَنْ تَنْقَلِبَ عَلَى الْمُعَلَّلِ فِي ضِدِّ حُكْمِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَاهِدَةٌ بِحُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، كَالشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا لِلْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ وَشَهِدَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي، تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا جَمِيعًا، فَلِذَلِكَ تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ، هَكَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ يَجُوزُ أَنْ تَدُلَّ عَلَى الضِّدَّيْنِ، كَمَا يَدُلُّ وُجُودُ الْحَرَكَةِ عَلَى حَرَكَةِ الْجِسْمِ، وَعَلَى أَنَّهَا إذَا عَدِمَتْ عَدِمَتْ الْحَرَكَةَ ثُمَّ خَالَفَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَ مَثَلًا: الْوَاطِئُ فِي رَمَضَانَ فَفِيهِ كَفَّارَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ دَلَالَةُ الْكَفَّارَةِ وَأَنْ لَا كَفَّارَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute