الْوَصْفِ نَفْيُ الْحُكْمِ إذَا كَانَ صَدَقَ الْعِلَّةُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ هَذَا الْوَصْفَ. وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا عُرِفَ الْوَصْفُ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْعَكْسَ فَهِمُوا أَنَّ بَعْضَ الْأَوْصَافِ الْمُتَّفَقِ عَلَى عِلِّيَّتِهَا يَنْتَفِي مَعَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَاعْتَقَدُوا الْعَكْسَ لَغْوًا بِالْكُلِّيَّةِ، وَفَاتَهُمْ أَنَّ الْعَكْسَ مَا ثَبَتَ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَ انْتِفَاءِ وَصْفٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ صِدْقَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ الْخَاصِّ نَفْيُ الْعَامِّ وَهُوَ الْعِلَّةُ. نَعَمْ، لَوْ انْتَفَى ذَلِكَ الْعَامُّ - وَهُوَ الْعِلَّةُ - بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ الْخَاصِّ لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ قَطْعًا.
ثُمَّ قَالَ: وَالْعَكْسُ - عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدِي - عِبَارَةٌ عَنْ نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ نَفْيِ الْعِلَّةِ.
وَعَلَى مُخْتَارِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، النَّفْيُ عِلَّةٌ لِلنَّفْيِ. وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ بَعْضَ الْعِلَلِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ وُجُودَ عِلَّةٍ أُخْرَى مُشْعِرَةٍ بِالنَّقْضِ، فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ ذَلِكَ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَ النَّفْيِ، وَالنَّفْيُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
الشَّرْطُ الثَّامِنُ: أَنْ تَكُونَ أَوْصَافُهُمَا مُسَلَّمَةً أَوْ مَدْلُولًا عَلَيْهَا، وَإِذَا نُوزِعَ الْمُعَلِّلُ فِي وَصْفِ الْعِلَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّتِهِ إنْ كَانَ مُجِيبًا وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ إنْ نُوزِعَ وَصْفُ الْعِلَّةِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّتِهِ.
الشَّرْطُ التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُعَلَّلًا بِالْعِلَّةِ الَّتِي تَعَلَّقَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
ذَكَرَهُ وَمَا قَبْلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَقَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْفَرْعِ عِلَّةَ الْأَصْلِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنْ كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَبَتَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ الْفَرْعُ إلَّا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ قِيسَ عَلَيْهِ الْفَرْعُ بِعِلَّةٍ مُسْتَخْرَجَةٍ بِالِاجْتِهَادِ. فَأَمَّا إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِأَصْلِهِ بِعِلَّةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ الْمَعْلُولِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلِهَذَا قَالُوا، فِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute