للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَقْتِ قَبْلَ الْفِعْلِ لَا يَأْثَمُ أَلْزَمُوا الْجَمْعَ بَيْنَ إبَاحَةِ الشَّيْءِ وَالتَّأْثِيمِ مِنْهُ؛ لِأَنَّا نُجَوِّزُ لَهُ التَّأْخِيرَ، فَكَيْفَ نُؤَثِّمُهُ؟ اعْتَذَرَ عَنْ هَذَا الْإِلْزَامِ بِأَنْ أَثْبَتُوا الْعَزْمَ عَلَى إيقَاعِ الْفِعْلِ بَدَلًا مِنْ تَقْدِيمِ إيقَاعِهِ، وَرَأَوْا أَنَّ التَّأْخِيرَ لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ عِوَضٍ مِنْهُ، وَهُوَ الْعَزْمُ، فَأَشْبَهَ تَخْيِيرَ الْحَانِثِ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِنَّ الْإِطْعَامَ وَإِنْ لَمْ نُؤَثِّمْهُ فِي تَرْكِهِ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَعَوَّضَ عَنْهُ الْكِسْوَةَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ الْوُجُوبِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ، وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إثْبَاتَ الْعَزْمِ هُنَا وَلَمْ يَرَهُ انْفِصَالًا عَنْ الْإِلْزَامِ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَكَانَ دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ فِي هَذَا مَقَالٌ فَإِنَّهُ أَنْكَرَ إيجَابَ الْعَزْمِ وَاسْتَبْعَدَهُ كَمَا اسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ، فَلَمْ يَكُنْ إلَّا قَلِيلًا حَتَّى قَرَأَ الْقَارِئُ فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثَ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ تَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِ الْمَقْتُولِ فِي النَّارِ، لِكَوْنِهِ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ، فَقُلْت: هَذَا يَدُلُّ لِلْقَاضِي، فَلَمْ يُجِبْ بِغَيْرِ الِاسْتِبْعَادِ.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَقُولُ بِالْعَزْمِ، وَتَرَدُّدِ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ الْعَزْمِ وَالْفِعْلِ كُلَّ وَقْتٍ إلَى آخِرِ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُظَنُّ بِهَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ يَعْنِي الْقَاضِيَ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعَزْمَ تَكْرِيرًا، وَإِنَّمَا يَرَاهُ يَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>