للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ فَلَا، وَتَابَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَهُوَ تَحَكُّمٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ، فَلَمَّا يُخَصَّصُ بِالْمَصْلَحَةِ دُونَ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؟

تَنْبِيهٌ

الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقَوْلِنَا فِي إثْبَاتِ الْحَيَاةِ فِي الشَّعْرِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِالطَّلَاقِ وَيَحِلُّ بِالنِّكَاحِ فَيَكُونُ حَيًّا كَالْيَدِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِلَّةِ الْمُعَرِّفُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ فَأَمَّا إذَا فَسَّرْنَاهَا بِالْمُوجِبِ وَالدَّاعِي امْتَنَعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْمُوجِبِ فَصَحِيحٌ لَكِنْ لَا نَرْتَضِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَبَاطِلٌ، وَكَلَامُ الْعَبْدَرِيِّ يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ وَالْمُسْتَنْبَطِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَالُ لِلْمَانِعِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ: إنْ أَرَدْت بِهِ الْحُكْمَ الَّذِي يَسْتَنْبِطُهُ الْمُجْتَهِدُ فَقَوْلُك صَحِيحٌ وَلَسْنَا نَنْفِيهِ، وَإِنْ أَرَدْت الْحُكْمَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ الشَّارِعِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ الشَّرْعُ بِحُكْمٍ ثُمَّ يَجْعَلُ ذَلِكَ الْحُكْمَ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ كَثِيرًا بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْمُوجِبِ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ وَهِيَ الشَّرَفُ وَالْخِسَّةُ، وَالْكَمَالُ وَالنَّقْصُ وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوصًا مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَإِلَّا لَجَازَ أَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ الْمُعَرِّفُ حَاصِلًا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>