كُلَّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ بِالْعِتْقِ، وَقَالَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ: لِأَنَّهُ مَالِكٌ تَامُّ الْمِلْكِ، وَقَالَ فِي الذِّمِّيِّ: يَصِحُّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَالْمُسْلِمِ، وَقَاسَ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي النِّيَّةِ بِأَنَّهُمَا طُهْرَانِ عَنْ حَدَثٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ فِطْرٍ مَعْصِيَةٌ فِيهَا الْكَفَّارَةُ كَالْفِطْرِ بِالْوَطْءِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: الْمَنِيُّ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَدَنِ كَالْبَوْلِ (انْتَهَى) .
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ حُكْمُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً كَقَوْلِنَا: حَرُمَ الرِّبَا لِأَنَّهُ رِبًا، حَرُمَ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ أَكْلٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ هَذَا تَحْرِيمَ غَيْرِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: الْعِلَّةُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ إيجَابُهَا عَلَى الْقَاتِلِ وَتَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ. وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِيمَا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ، لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا حُكْمٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: ١٦٠] وَالظُّلْمُ هُوَ اسْمُ حُكْمٍ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمُلَازَمَةُ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ تَقْتَضِي حُكْمَيْنِ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا اسْتَدْلَلْنَا بِوُجُودِهِ عَلَى وُجُودِهَا ثُمَّ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةُ تَلَازُمِ الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الشَّرْعِيَّ يَكُونُ عِلَّةً شَرْعِيَّةً بِمَعْنَى (الْأَمَارَةِ) لَا فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ بَلْ فِي غَيْرِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: إذَا عَرَفْتُمْ أَنِّي حَكَمْت بِإِيجَابِ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى (الْبَاعِثِ) ، فَإِنْ كَانَ بَاعِثًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ كَتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ يَقْتَضِيهَا حُكْمُ الْأَصْلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute