وَمِنْ اللَّطِيفِ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: ٤٩] : فَقِيلَ: فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْبَعْضِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الذَّنْبِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ ذُنُوبِهِمْ كَافٍ فِي إهْلَاكِهِمْ. وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعُقُوبَاتِ فَكَانَ بَعْضُ ذُنُوبِهِمْ يُوجِبُ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا، وَبَعْضُهَا يُوجِبُ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ. فَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ فِيهَا تَمَسُّكٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُسْتَقِلَّةَ إذَا انْفَرَدَتْ تَكُونُ عِلَّةً مِنْهَا إذَا اجْتَمَعَتْ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ صَدَرَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ كُلِّ سَبَبٍ مِنْهَا لَوْ انْفَرَدَ لَاسْتَقَلَّ بِالْهَلَاكِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ أَنَّ السَّبَبَ مِنْهَا فِي الْإِصَابَةِ بِالْعُقُوبَاتِ وَالْإِهْلَاكِ بَعْضُهَا، لَا كُلُّهَا وَالْبَاقِي فَاتَ مَحَلُّ تَأْثِيرِهِ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْقَوْلِ بِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ.
السَّادِسُ:
قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ إثْبَاتِ الْقِيَاسِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا اسْتَنْبَطَ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَسُبِرَا فَصَحَّا مَا السَّبِيلُ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ: إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي الْآخَرِ كَدُخُولِ الْمَأْكُولِ الْمُدَّخَرِ فِي الْمَأْكُولِ غَيْرِ الْمُدَّخَرِ نُظِرَ فِي زِيَادَةِ الزَّائِدِ فَاعْتُبِرَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي تَعْلِيلِ الرِّبَوِيِّ. وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَيَانِ مُتَضَادَّيْنِ اُحْتِيجَ إلَى قِيَاسِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيُعْلَمَ أَيُّهُمَا أَصَحُّ وَذَلِكَ مِثْلُ تَخْيِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيرَةَ لَمَّا عَتَقَتْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: خَيَّرَهَا لِأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute