آخَرَ، وَرُبَّمَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ مَوْضُوعُ الْحُرُوفِ لِكَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً فَظَنُّوهُ لِلتَّعْلِيلِ فِي مَحَلٍّ لَيْسَ هُوَ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ، كَتَمْثِيلِهِمْ التَّعْلِيلَ بِالْفَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ.
وَقَدْ قَسَمُوا النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ إلَى صَرِيحٍ وَظَاهِرٍ.
[الْأَوَّلُ: الصَّرِيحُ] : قَالَ الْآمِدِيُّ: فَالصَّرِيحُ هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، بَلْ يَكُونُ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لَهُ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْضُوعًا لَهُ أَوْ لِمَعْنًى يَتَضَمَّنُهُ. فَدَخَلَ الْحُرُوفُ الْمُتَّصِلَةُ بِغَيْرِهَا. وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، بَلْ الْمَنْطُوقُ بِالتَّعْلِيلِ فِيهِ عَلَى حَسَبِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ الظَّاهِرِ عَلَى الْمَعْنَى. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي إنَّهُ لِلتَّعْلِيلِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] قَالَ: لَا يَصْلُحُ الدُّلُوكُ لِكَوْنِهِ عِلَّةً، فَهُوَ مَعْنًى عِنْدَ الدُّلُوكِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَيْسَ مَيْلُ الشَّمْسِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. ثُمَّ الدَّالُّ عَلَى الصَّرِيحِ أَقْسَامٌ:
أَحَدُهَا - التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْحُكْمِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [القمر: ٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute