شَرْطًا مِنْ شَرَائِطِ السَّبَبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْحُكْمِ وَإِلْحَاقُ شَرْطٍ بِالْوَصْفِ الْمُومَأِ إلَيْهِ لَا يُسْتَكْثَرُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوْلَى أَنْ تَدْخُلَ الْفَاءُ عَلَى الْأَحْكَامِ، لِأَنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْعِلَلِ، وَلَا تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَلِ لِاسْتِحَالَةِ تَأَخُّرِ الْعِلَّةِ عَنْ الْمَعْلُولِ، إلَّا أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَلِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَوَامٌ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ دَائِمَةً كَانَتْ فِي حَالَةِ الدَّوَامِ مُتَرَاخِيَةً عَنْ ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ، فَصَحَّ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَيْهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي حَبْسٍ ظَالِمٍ إذَا ظَهَرَ آثَارُ الْفَرَجِ: أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاك الْغَوْثُ، وَقَدْ نَجَوْت.
الثَّانِي: مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْلِيلِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ رَتَّبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ بِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّرِقَةَ هِيَ السَّبَبُ لَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ قَوْلَهُ؛ {فَاقْطَعُوا} [المائدة: ٣٨] جَوَابٌ لِمَا فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، إنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَهُ عَلَى مَعْنَى؛ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ، فَهَذِهِ تَرْجَمَةٌ سِيقَتْ لِلتَّشَوُّفِ إلَى مَا بَعْدَهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي مَضْمُونِ التَّرْجَمَةِ مُنْتَظِرًا قِيلَ: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فَالْفَاءُ إذَنْ لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْجَوَابِ. وَإِنَّمَا حَمَلَ سِيبَوَيْهِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْفَاءَ لَوْ كَانَتْ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ} وَكَانَ الْكَلَامُ مُبْتَدَأً أَوْ خَبَرًا لَكَانَتْ الْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي النَّصْبَ فِي {السَّارِقُ} لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ أَوْلَى، كَقَوْلِهِ: زَيْدًا اضْرِبْهُ. فَلَمَّا رَأَى الْعَامَّةُ مُطَبِّقَةً عَلَى الرَّفْعِ تَفَطَّنَ، لِأَنَّهَا لَا تُجْمِعُ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى، فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ وَذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] كَالتَّرْجَمَةِ وَالْعُنْوَانِ.
السَّابِعُ - لَعَلَّ: عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ النُّحَاةِ، وَقَالُوا: إنَّهَا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّعْلِيلِ الْمَحْضِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى التَّرَجِّي لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تُجْهَلُ عَاقِبَتُهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١] قِيلَ: هُوَ تَعْلِيلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute