الْقَطْعِ وَالْجَلْدِ إنَّمَا كَانَ لِلسَّرِقَةِ وَالزِّنَى لَا لِغَيْرِهِمَا، وَلَوْلَا الْفَاءُ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا.
وَالنَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ نَحْوُ: كُلُّ إنْسَانٍ يَفْعَلُ كَذَا فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الدِّرْهَمِ بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ، لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ، إذًا الْمَعْنَى: إنْ يَأْتِنِي رَجُلٌ فَلَهُ دِرْهَمٌ.
وَالشَّرْطُ سَبَبٌ فِي الْجَزَاءِ وَعِلَّةٌ لَهُ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ الْفَاءُ، لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ، وَالْمُسَبَّبُ فِي الرُّتْبَةِ عَقِبَ السَّبَبِ، فَكَانَ فِي دُخُولِهَا إيمَاءٌ إلَى الْعِلَّةِ، وَإِذَا حُذِفَتْ لَمْ يَقْتَضِ اللَّفْظُ أَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمُ مُسْتَحَقًّا بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ، بَلْ بِهِ وَبِغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَهُنَا أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ دُخُولَ فَاءِ التَّعْقِيبِ عَلَى الْمَعْلُومِ وَاضِحٌ، لِوُجُوبِ تَأَخُّرِهِ عَنْ الْعِلَّةِ. وَأَمَّا دُخُولُهَا عَلَى الْعِلَّةِ نَحْوُ (فَإِنَّهُ يَبْعَثُ) فَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِبَةَ لَهَا تَقَدُّمٌ فِي الذِّهْنِ وَتَأَخُّرٌ فِي الْوُجُودِ، كَمَا تَقُولُ: أَكَلَ فَشَبِعَ، فَالشِّبَعُ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ مُتَقَدِّمٌ فِي الذِّهْنِ.
وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِفَادَةِ التَّعْلِيلِ مِنْ الْفَاءِ بِتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ عِلَّةَ الْوُضُوءِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، بَلْ عِلَّةُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ وُجُودُ الْحَدَثِ. وَلَقَدْ اعْتَاصَ الْجَوَابُ عَلَى الْغَزَالِيِّ حَتَّى انْتَهَى فِيهِ إلَى الْإِسْهَابِ. وَجَوَابُهُ يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يَتَقَدَّمُ تَصَوُّرُهَا وَإِلَى مَا يَنْعَدِمُ تَصَوُّرُهَا. وَالصَّلَاةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُضُوءِ لَك أَنْ تَجْعَلَهَا مِنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا حِكْمَةُ الْوُضُوءِ وَلَهَا شَرْطٌ يَصِحُّ تَرْتِيبُهُ عَلَيْهَا بِالْفَاءِ، كَمَا رَتَّبَ بَعْثَ الشَّهِيدِ الْمُحْرِمِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَأَنْ تَجْعَلَهَا مِنْ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ جَعْلُ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ مَظِنَّةً وَسَبَبًا، وَيَكُونُ الْحَدَثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute