وَالثَّانِي: أَنْ يَدْخُلَ فِي كَلَامِ الرَّاوِي، كَقَوْلِهِ: سَهَا فَسَجَدَ، وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّاوِي الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْهَمْ لَمْ يُعَاقَبْ.
قِيلَ: وَالْفَاءُ إذَا امْتَنَعَ كَوْنُهَا لِلْعَطْفِ تَعَيَّنَ لِلسَّبَبِ. وَالْمَانِعُ لِلْعَطْفِ أَنَّهَا مَتَى قُدِّرَتْ لَهُ الْوَاوُ اخْتَلَّ الْكَلَامُ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً بِمَعْنَى الْوَاوِ لَتَضَمَّنَتْ الْجُمْلَةُ مَعْنَى الشَّرْطِ بِلَا جَوَابٍ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى حَصْرِ الْفَاءِ لِلتَّعْلِيلِ وَالْعَطْفِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ هِيَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَوَابٌ، أَيْ رَابِطَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ شَرْطًا كَوْنُهُ عِلَّةً.
وَقَدْ جَعَلَ فِي الْمَحْصُولِ - تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ - الْبَاءَ وَالْفَاءَ مِنْ صَرَائِحِ التَّعْلِيلِ، ثُمَّ خَالَفَ الرَّازِيَّ فِي رِسَالَتِهِ الْبَهَائِيَّةِ وَرَدَّ عَلَى الْغَزَالِيِّ وَقَالَ: الْبَاءُ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ التَّعْلِيلِ، وَمِنْهُ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ لَا لِلتَّعْلِيلِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ النَّحْوِيِّينَ: الْفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ فِيهَا إيمَاءٌ إلَى الْعِلَّةِ إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ اسْمًا مَوْصُولًا بِجُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ أَوْ نَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ:
فَالِاسْمُ الْمَوْصُولُ نَحْوُ: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} [البقرة: ٢٧٤] فَمَا بَعْدَ الْفَاءِ، مِنْ حُصُولِ الْأَجْرِ، وَنَفْيِ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، مُسْتَحَقٌّ بِمَا قَبْلَهَا، مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ. وَيَجْرِي مَجْرَى " الَّذِي " الْأَلِفُ وَاللَّامُ إذَا وُصِلَتْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . . .، وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] . . .، أَيْ: لِسَرِقَتِهِمَا وَلِزِنَاهُمَا. فَاسْتِحْقَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute