وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: ٣٨] . . . وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] . . . وَالثَّالِثُ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: ٥٤] ، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٢٧٧] . وَاَلَّذِي بَعْدَ الْفَاءِ تَارَةً يَكُونُ حُكْمًا، نَحْوُ {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٢٢] . . .، وَتَارَةً يَكُونُ عِلَّةً، نَحْوُ «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَإِنَّهُ عِلَّةُ تَجْنِيبِهِ الطَّيِّبَ. ثُمَّ مِنْهُ مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْحُكْمِ وَالْوَصْفِ مَعًا فَهُوَ إيمَاءٌ بِلَا خِلَافٍ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» ، «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ» ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَوَّلِ بِالْإِحْيَاءِ، وَهُوَ الْوَصْفُ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْمِلْكُ. وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ وَهُوَ الْوَصْفُ، وَبِالْعِتْقِ وَهُوَ الْحُكْمُ. وَمِنْهُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا: فَإِنْ صُرِّحَ بِالْحُكْمِ - وَالْوَصْفُ مُسْتَنْبَطٌ - كَتَحْرِيمِ الرَّبَّا فِي الْبُرِّ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهُ عِلَّةُ الْكَيْلِ أَوْ الطُّعْمِ أَوْ الْوَزْنِ، فَلَيْسَ بِإِيمَاءٍ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ فِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاسْتَبْعَدَهُ الْهِنْدِيُّ. وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَصْفِ - وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ - كَالصِّحَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ حِلِّ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، فَهَلْ النَّصُّ الدَّالُ عَلَى ثُبُوتِ الْحِلِّ إيمَاءٌ أَوْ ثُبُوتُ الصِّحَّةِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى إثْبَاتِهِ، وَرَجَّحَهُ الْهِنْدِيُّ، لِأَنَّ الصِّحَّةَ لَازِمَةٌ لِلْحِلِّ، إذْ لَوْلَا الصِّحَّةُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِحْلَالِ فَائِدَةٌ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيمَاءٍ إلَيْهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالْحُكْمِ وَاسْتَخْرَجْنَا الْعِلَّةَ قِيَاسًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى عَكْسِهِ. وَجَمَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الصُّورَتَيْنِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ يَلْتَفِتُ إلَى تَفْسِيرِ (الْإِيمَاءِ) هَلْ هُوَ اقْتِرَانُ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ، سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute