فِي سِيَاقِهِ شَيْئًا لَوْ لَمْ يُعَلِّلْ بِهِ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَنْتَظِمْ الْكَلَامُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِبَيَانِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَأَحْكَامِهَا، فَلَوْ لَمْ يُعَلِّلْ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ شَاغِلًا عَنْ الْمَشْيِ إلَيْهَا لَكَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ مُطْلَقًا. كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» فَلَوْ لَمْ يُعَلِّلْ [النَّهْيَ] عَنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ بِكَوْنِهِ يَتَضَمَّنُ تَشْوِيشَ الْفِكْرِ لَكَانَ ذِكْرُهُ لَاغِيًا. إذْ الْقَضَاءُ لَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ.
وَالْخَامِسُ: رَبْطُ الْحُكْمِ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ بِمَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ يَنْتَهِضُ عِلَّةً فِيهِ. وَإِلَى هَذَا صَارَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا، وَأَوَّلَ الْقَاضِي مَذْهَبَهُ وَقَالَ: لَعَلَّهُ تَمَسَّك بِالْحَدِيثِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ الرِّبَا لَا فِي إثْبَاتِ عِلَّتِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عِلِّيَّةَ الطُّعْمِ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: تَعَلَّقَ أَئِمَّتُنَا فِي تَعْلِيلِ رِبَا الْفَضْلِ بِالطُّعْمِ بِقَوْلِهِ: «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الطَّعَامِ مُشْعِرًا بِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ، وَإِلَّا فَالطَّعَامُ وَالْبُرُّ سَوَاءٌ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ.
وَالسَّادِسُ: تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] أَيْ لِأَجْلِ تَقْوَاهُ. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣] أَيْ لِأَجْلِ تَوَكُّلِهِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ، وَالسَّبَبُ مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَقِبَهُ، فَإِذَا الشَّرْطُ فِي مِثْلِ هَذَا سَبَبُ الْجَزَاءِ، فَيَكُونُ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ سَبَبًا وَعِلَّةً. وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلَهُ مِنْ الْأَجْرِ قِيرَاطٌ» ، وَ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute