يَعْتَقِدَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الَّتِي شَابَهَ الْفَرْعُ بِهَا الْأَصْلَ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ. وَقِيلَ: الشَّبَهُ هُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ، وَلَكِنْ عُرِفَ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لِتَأْثِيرِ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَاخْتَارَهُ الرَّازِيَّ فِي الرِّسَالَةِ الْبَهَائِيَّةِ، كَإِيجَابِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ وُجُوبَهُ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ، إلَّا أَنَّ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ كَوْنُ الْخَلْوَةِ مَظِنَّةُ الْوَطْءِ، يُعْتَبَرُ فِي جِنْسِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا تَثْبُتُ مُنَاسَبَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَجَعَلَهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالْعِلِّيَّةِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَسْلَكٍ آخَرَ، وَأَحْسَنَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: قِيَاسُ الْمَعْنَى تَحْقِيقٌ، وَالشَّبَهُ تَقْرِيبٌ، وَالطَّرْدُ تَحَكُّمٌ (ثُمَّ قَالَ) : قِيَاسُ الْمَعْنَى: مَا يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَيَسْتَدْعِيه وَيُؤَثِّرُ فِيهِ، وَالطَّرْدُ عَكْسُهُ، وَالشَّبَهُ أَنْ يَكُونَ فَرْعٌ يُحَاذِيهِ أَصْلَانِ فَيَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِنَوْعٍ شَبَهٌ مُقَرَّبٍ، أَيْ يَقْرُبُ الْفَرْعُ مِنْ الْأَصْلِ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى (انْتَهَى) .
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُلَائِمُ الْأَوْصَافَ الَّتِي عُهِدَ مِنْ الشَّارِعِ إنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ النَّاظِرَ إذَا فَقَدَ الْمَعْنَى نَظَرَ فِي الْأَشْبَاهِ، وَهُوَ أَوْسَعُ الْأَبْوَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّبَهَ يَنْقَدِحُ عِنْدَ إمْكَانِ الْمَعْنَى وَعِنْدَ عَدَمِ فَهْمِهِ، وَلَا يَتَحَتَّمُ الْأَشْبَاهُ فِي التَّعَبُّدَاتِ الْجَامِدَةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّبَهِ وَالطَّرْدِ بِأَنَّ الطَّرْدَ نِسْبَةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَنَفْيِهِ عَلَى السَّوَاءِ. وَالشَّبَهُ نِسْبَةُ الثُّبُوتِ مُتَرَجِّحَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: اضْطَرَبَ رَأْيُ الْإِمَامِ فِي حَدِّهِ فَقَالَ مَرَّةً: هُوَ الْمُشِيرُ إلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ لَا يَتَحَرَّرُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ. وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ تَشَابُهَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي أَيِّ حُكْمٍ كَانَ، لَا فِي حُكْمٍ مُعَيَّنٍ، حَتَّى لَوْ نَسَبْنَا وُجُودَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ لَكَانَ عَلَى حَدِّ نِسْبَةِ عَدَمِهِ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ رَحَّالٍ: فَسَّرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute