للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يَتَعَذَّرُ حَدُّ الشَّبَهِ بِأَنْ يَقُولَ هُوَ يُقَرِّبُ الْأَصْلَ مِنْ الْفَرْعِ وَيَمْتَازُ عَنْ الطَّرْدِ أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الِاشْتِرَاكُ فِي الْحِكْمَةِ، وَالطَّرْدُ لَا يَغْلِبُهُ عَلَى الظَّنِّ، وَمِنْ خَوَاصِّ الطَّرْدِ أَنَّهُ يُعَلِّقُ نَقِيضَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَيُقَالُ: طَهَارَةٌ مَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَقِيسٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَقَوْلُهُ: طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ لَيْسَ بِجَامِعٍ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ أَصْلُهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ فَسَّرَ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ الْمُورَدِ عَلَى بَعْضِ تَعْرِيفَاتِ الْقِيَاسِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ بِمَا لَا يُنَاسِبُ، وَلَكِنْ يَسْتَلْزِمُ الْمُنَاسِبَ، فَيُقَالُ: إنَّهُ الْوَصْفُ الْمُقَارِنُ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ لَهُ بِالتَّبَعِ وَبِالِالْتِزَامِ دُونَ الذَّاتِ، كَالطَّهَارَةِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا تُنَاسِبُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ، لَكِنْ تُنَاسِبُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ مُنَاسَبَةٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، أَمَّا مَا يُنَاسِبُ بِالذَّاتِ فَهُوَ الْمُنَاسِبُ، أَوْ لَا يُنَاسِبُ مُطْلَقًا فَهُوَ الطَّرْدِيُّ، فَالشَّبَهُ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالطَّرْدِيِّ، فَلِهَذَا سُمِّيَ " شَبَهًا ". هَكَذَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ. وَحَكَى الْإِبْيَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا يُوهِمُ الِاشْتِمَالَ عَلَى وَصْفٍ مُخَيِّلٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَصْمَ قَدْ يُنَازِعُ فِي إيهَامِ الِاشْتِمَالِ عَلَى مُخَيِّلٍ إمَّا حَقًّا، أَوْ عِنَادًا، وَلَا يُمْكِنُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ مَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ هُوَ خُلَاصَةُ كَلَامِ الْقَاضِي حَيْثُ قَالَ: هُوَ الَّذِي يُوهِمُ الِاشْتِرَاكَ فِي مَحَلٍّ. قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الشِّفَاءِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ فِيهِ. وَاَلَّذِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ هُوَ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ لِكَثْرَةِ إشْبَاهِهِ بِالْأَصْلِ فِي الْأَوْصَافِ مِنْ غَيْرِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>