حَكَى هَذَا النَّصَّ الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ قَوْلَهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهَا عِلَّةً لِحُكْمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا حُكِمَ بِتَرْجِيحِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْفَرْعِ بِكَثْرَةِ الشَّبَهِ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ " فَمَوْضِعُ الصَّوَابِ. . . " إلَى آخِرِهِ، يُرِيدُ إذَا كَانَتْ كُلُّ خَصْلَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ صَاحِبَتِهَا مِثْلَ الْأَخِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَالْأَبِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَابْنِ الْعَمِّ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْأَبَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مَحْرَمٌ لَهُ بِالْقَرَابَةِ، وَيُشْبِهُ ابْنَ الْعَمِّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ، وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَعَهُمَا، وَجَرَيَانِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِلْحَاقُهُ بِابْنِ الْعَمِّ حَتَّى لَا يُعْتَقَ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ أَوْلَى. وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ الْقَوْلَ بِالشَّبَهِ بِطَرِيقِ تَمَسُّكِهِمْ بِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَلَعَلَّ أَكْثَرَ أَقْيِسَةِ الْفُقَهَاءِ قِيَاسُ الشَّبَهِ. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: طَهَارَتَانِ فَأَنَّى تَفْتَرِقَانِ؟ فَإِنَّهُ يُوهِمُ الِاجْتِمَاعَ فِي مُنَاسِبٍ، وَهُوَ مَأْخَذُ الشَّبَهِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْمُنَاسِبِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَسْحُ الرَّأْسِ لَا يَتَكَرَّرُ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ لَا يَتَكَرَّرُ، قِيَاسًا عَلَى الْخُفِّ. وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي: قِيَاسُ الشَّبَهِ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمَعْنَوِيَّ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً لِأَنَّهُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، وَالشَّبَهُ يُفِيدُهَا أَيْضًا. وَمَنْ أَنْكَرَهَا فِي الشَّبَهِ كَانَ مُنْكَرُهَا فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى. انْتَهَى. وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ نِسْبَةَ الْقَوْلِ بِالشَّبَهِ إلَى الشَّافِعِيِّ، مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَا يَكَادُ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالشَّبَهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَعَ عُلُوِّ رُتْبَتِهِ فِي الْأُصُولِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ مُتَأَوَّلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute