الزَّكَاةُ لِفَقْدِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَالَ: مَا بَالُنَا نَسْتَعْمِلُ أَقْوَامًا فَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي، أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كَانَ صَادِقًا» وَهَذَا إثْبَاتُ الْعِلَّةِ بِالدَّوَرَانِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْوَصْفِ وَانْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ. وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي إفَادَةِ الدَّوَرَانِ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْعِلِّيَّةِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَرُبَّمَا قِيلَ: لَا دَلِيلَ فَوْقَهُ، حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُفِيدُ ظَنَّ الْعِلِّيَّةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ بِذَاتِهَا وَإِنَّمَا هِيَ عَلَامَةٌ مَنْصُوبَةٌ، فَإِذَا دَارَ الْوَصْفُ مَعَ الْحُكْمِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ مُعَرِّفًا لَهُ وَيَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ الْمُومَأِ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَإِنْ خَلَا عَنْ الْمُنَاسَبَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمْ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي. وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ إلْكِيَا.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَلِأَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ شَغَفٌ بِهِ، وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيِّ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: ذَهَبَ كُلُّ مَنْ يُعْزَى إلَى الْجَدَلِ إلَى أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute