للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ وَمَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا يَعْصِي بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَصْفَى " وَالْآمِدِيَّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْثِمُونَ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ مِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ وَقْتِ الزَّوَالِ، وَكَانُوا لَا يَنْسُبُونَهُ إلَى تَقْصِيرٍ لَا سِيَّمَا إذَا اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ، وَنَهَضَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، بَلْ مُحَالٌ أَنْ يَعْصِيَ وَقَدْ جُوِّزَ لَهُ التَّأْخِيرُ فِي فِعْلِ مَا يَجُوزُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَعْصِيَتِهِ؟ . انْتَهَى. وَالثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ أَدَاءِ إمْكَانِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِمْكَانِ لَمْ يَعْصِ بِلَا خِلَافٍ. نَعَمْ حَكَوْا عَنْ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا، وَلَيْسَ إمْكَانُ الْأَدَاءِ مُعْتَبَرًا، وَلَعَلَّهُ يَقْرَبُ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ.

وَقَدْ اسْتَصْعَبَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصْفَ الصَّلَاةِ بِالْوُجُوبِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ لَا يَعْصِي فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَقَالَ: لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ، وَهُوَ أَنَّهَا لَوْ أُقِيمَتْ لَوَقَعَتْ عَلَى مَرْتَبَةِ الْوَاجِبَاتِ. وَرَدَّهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ "، وَقَالَ: التَّأْخِيرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِذَا مَاتَ بَغْتَةً فَهُوَ غَيْرُ مُفَوِّتٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَ مِنْ وَقْتٍ إلَى مِثْلِهِ، وَهَذَا لَا يُعَدُّ تَفْوِيتًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا كَانَ مُطِيقًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ صَارَ فَائِتًا بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا مِنْ قِبَلِ الْعَبْدِ، فَلَمْ يَجُزْ وَصْفُهُ بِالْعِصْيَانِ، وَهَذَا كَالْأَمْرِ الْمُضَيَّقِ إذَا لَمْ تُسَاعِدْهُ الْحَيَاةُ فِي ذِمَّتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>