وَزَعَمَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ ": أَنَّ الْمُوَسَّعَ بِالْعُمُرِ إنَّمَا يَتَضَيَّقُ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ عَنْ وَقْتٍ يُظَنُّ فَوْتُهُ فِيهِ. قَالَ: وَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ أَبَدًا، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ، وَإِمَّا إلَى زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ نَقُولَ: يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَبْقَى سَوَاءٌ بَقِيَ أَمْ لَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَصَى بِالتَّأْخِيرِ سَوَاءٌ مَاتَ أَمْ لَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوْلٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَعْصِي بِالْمَوْتِ سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْبَقَاءُ أَمْ لَا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْمُبَادَرَةُ، فَالتَّمْكِينُ مَوْجُودٌ، وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَالْوُجُوبُ مُحَقَّقٌ مَعَ التَّمَكُّنِ فَيَعْصِي، وَيَكُونُ التَّأْخِيرُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَظَاهِرًا فَقَطْ عَلَى رَأْيِ الْفُقَهَاءِ، وَالْبَاطِنُ مَجْهُولُ الْحَالِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْعِصْيَانِ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا أَوْ لَا يُضَافُ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا؟ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: الثَّانِي.
وَغَلِطَ الْمُقْتَرِحُ فِي " تَعْلِيقِهِ " عَلَى الْبُرْهَانِ " حَيْثُ قَالَ: وَتَوَهَّمَ الْإِمَامُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ انْبَسَطَتْ الْمَعْصِيَةُ عَلَى جَمِيعِ سِنِي الْإِمْكَانِ، وَأَنَّهُ عَاصٍ فِي كُلِّ زَمَنٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا يَعْصِي بِتَرْكِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ. انْتَهَى. بَقِيَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِمْ: جَوَازُ التَّأْخِيرِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ رَبْطٌ لِلتَّكْلِيفِ بِمَجْهُولٍ.
قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: هَذَا هَوَسٌ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ جَهَالَةٌ تَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ، أَوْ إمْكَانَ الِامْتِثَالِ، فَأَمَّا تَكْلِيفُهُ الْمَرْءَ شَيْئًا مَعَ تَقْدِيرِ عُمُرِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَتَنْبِيهُهُ أَنَّهُ إذَا امْتَثَلَهُ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَإِنْ أُخْلِيَ الْعُمُرُ مِنْهُ تَعَرَّضَ لِلْمَعْصِيَةِ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute