وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ مُتَعَلَّقُ الْجَوَازِ، وَالْجَوَازُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ بَلْ مُبَاحٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُبَاحِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الشَّكُّ فِي الْإِبَاحَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِحْكَامِ ": سَأَلَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد مَنْ أَجَازَ تَأْخِيرَ الْحَجِّ، فَقَالَ: مَتَى صَارَ الْمُؤَخِّرُ لِلْحَجِّ إلَى أَنْ مَاتَ عَاصِيًا؟ أَفِي حَيَاتِهِ؟ هَذَا غَيْرُ قَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ فَالْمَوْتُ لَا يُثْبِتُ عَلَى أَحَدٍ مَعْصِيَةً لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً فِي حَيَاتِهِ. فَأَجَابَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ يَفْعَلَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، فَلَمَّا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَهُ التَّأْخِيرُ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: لَمْ يُحَقِّقْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْجَوَابَ عَلَى أُصُولِ الشَّافِعِيِّ، فَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ إنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا فِي آخِرِ أَوْقَاتِ صِحَّتِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا قَادِرًا عَلَى الطَّلَاقِ. قَالَ: وَنَحْنُ نُجِيبُ عَنْ جَوَابِهِ، فَنَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] فَإِنَّمَا يَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ بِالتَّرْكِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ وَلَمْ يُطْلِعْ اللَّهُ أَحَدًا عَلَى وَقْتِ مَوْتِهِ، وَلَا عَرَّفَهُ بِآخِرِ أَوْقَاتِ مَوْتِهِ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، وَلَا يُوصَفُ بِالْعِصْيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَبَقِيَ سُؤَالُ أَبِي بَكْرٍ بِحَسَبِهِ. انْتَهَى.
وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَيُقَالُ: لِأَبِي بَكْرٍ: قَوْلُك: إنَّ تَعْصِيَتَهُ فِي حَيَاتِهِ خِلَافُ قَوْلِكُمْ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ قَوْلُنَا وَتُنْسَبُ الْمَعْصِيَةُ إلَى آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَوَابُ ابْنِ الْقَطَّانِ كَأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ مِنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ، وَلِهَذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ سُؤَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute