ابْنُ حَزْمٍ بِصُورَةِ الطَّلَاقِ، وَنَحْنُ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ فَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَسَعُهُ، فَقُبَيْلَ الْمَوْتِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ هُوَ آخِرُ تَمَكُّنِهِ، فَوَقَعَ حِينَئِذٍ كَذَلِكَ آخِرَ سِنِي الِاسْتِطَاعَةِ وَقْتَ تَمَكُّنِهِ، فَيَعْصِي إذْ ذَاكَ، وَخَرَجَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ عَلَى أُصُولِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الِاصْطِلَامِ ": وَأَمَّا تَسْمِيَةُ تَارِكِ الْحَجِّ عَاصِيًا فَقَدْ تَخَبَّطَ فِيهِ الْأَصْحَابُ.
وَالْأَوْلَى عِنْدِي: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ، وَلَا يُوصَفُ بِالْعِصْيَانِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْمَوْتُ، فَإِذَا غَلَبَ وَأَخَّرَ وَمَاتَ لَقِيَ اللَّهَ عَاصِيًا، وَإِنْ مَاتَ بَغْتَةً قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ لَا يَكُونُ عَاصِيًا، فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا. قُلْنَا: نَعَمْ تَرَكَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ تَضْيِيقَهُ عَلَيْهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَذَلِكَ أَمْرٌ مَعْهُودٌ فِي غَالِبِ أَحْوَالِ النَّاسِ، فَإِنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَعْهُودَ مِنْ أَجْنَاسِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَتْبٌ، وَلَمْ يَعْصِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى عَزْمٍ إذَا تَضَيَّقَ لَا يُؤَخَّرُ.
[التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ [لِلْقَضَاءِ دَرَجَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ] لِلْقَضَاءِ دَرَجَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْصِيَةِ كَالصَّلَاةِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْفَوَاتِ كَالْحَجِّ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: لَوْ مَاتَ بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ لَمْ يَعْصِ لَكِنْ يُطْعَمُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا الْإِطْعَامُ وَلَا الصِّيَامُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحْدُودٌ بِمَا بَيْنَ الرَّمَضَانَيْنِ. فَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِعَدَمِ تَرَبُّطِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مَعْلُومٌ، وَلَا حَدَّ لِانْتِهَائِهِ. حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute