فَصْلٌ
سَاقَ الْغَزَالِيُّ فِي " شِفَاءِ الْعَلِيلِ " مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ هُنَا أَمْرًا حَسَنًا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ الْإِحَاطَةُ بِهِ فَقَالَ: قِيَاسُ الطَّرْدِ صَحِيحٌ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ، وَقَالَ بِهِ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَمَنْ شَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ الْقَرِيبِ كَأَبِي زَيْدٍ وَأُسْتَاذِي إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، فَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُعَبِّرُ عَنْ الطَّرْدِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ بِ (الشَّبَهِ) وَيَقُولُ: الطَّرْدُ بَاطِلٌ وَالشَّبَهُ صَحِيحٌ، وَأَبُو زَيْدٍ يُعَبِّرُ عَنْ الطَّرْدِ بِ (الْمُخَيَّلِ) ، وَعَنْ الشَّبَهِ بِ (الْمُؤَثِّرِ) ، وَيَقُولُ: الْمُخَيَّلُ بَاطِلٌ وَالْمُؤَثِّرُ صَحِيحٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا بِأَصْلِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُؤَثِّرِ مَا أَرَدْنَاهُ بِالْمُخَيَّلِ، وَسَنُبَيِّنُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالشَّبَهِ الْمُنْكِرِينَ لِلطَّرْدِ مُرَادُهُمْ بِالشَّبَهِ مَا أَرَدْنَاهُ بِالطَّرْدِ، وَأَنَّ الْوَصْفَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: مُنَاسِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ وِفَاقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِالْمُؤَثِّرِ وَيُنْكِرُ الْمُخَيَّلَ. وَغَيْرُ الْمُنَاسِبِ أَيْضًا حُجَّةٌ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِالشَّبَهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ أَنَّهُ غَيْرُ الطَّرْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَالَ) : وَلَقَدْ عَزَّ عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ مَنْ يُحَقِّقُ الشَّبَهَ.
ثُمَّ قَالَ: فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، وَالشَّبَهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ الْقَوْلُ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِالشَّبَهِ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْقَوْلِ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ. (قَالَ) : وَقَدْ عَلَّلَ [بِهِ] الْفُقَهَاءُ كَافَّةً سُقُوطَ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ، وَشَرْعِيَّتِهِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: إنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يَكُونُ كَمَسْحِ الْخُفِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ فَكُرِّرَ كَالْغَسْلِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا طَرْدٌ مَحْضٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: طَهَارَتَانِ فَأَنَّى تَفْتَرِقَانِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute