«وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ بِالْوَرِقِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ» ، فَلَمَّا حَرَّمَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذِهِ الْأَصْنَافَ الْمَأْكُولَةَ الَّتِي يَشِحُّ النَّاسُ عَلَيْهَا حِينَ بَاعُوهَا كَيْلًا لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُبَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ بِمِثْلِهِ دَيْنًا، وَالْآخَرُ: زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَقْدًا، كَانَ كَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، فَحَرَّمْنَا قِيَاسًا عَلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أُكِلَ مِمَّا اُبْتِيعَ مَوْزُونًا، وَالْوَزْنُ وَالْكَيْلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَذَلِكَ كَالْعَسَلِ وَالزَّبِيبِ وَالسَّمْنِ وَالسُّكَّرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَيُبَاعُ مَوْزُونًا، وَلَمْ يُقَسْ الْمَوْزُونُ عَلَى الْمَوْزُونِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، لَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ نَقْدًا عَسَلًا وَسَمْنًا إلَى أَجَلٍ، وَلَوْ قِيسَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. وَيُقَاسُ بِهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ يُعْتَادُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: هَذَا كُلُّهُ نَقَلْنَاهُ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ فَلْيَتَأَمَّلْ الْمُنْصِفُ لِيَعْرِفَ كَيْفَ عَلَّلَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ [مَا] لَا يُنَاسِبُ، ذَاهِبًا إلَى أَنَّ الْمُشَارِكَ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي مَعْنَاهُ غَيْرَ مُعَرِّجٍ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ وَالْإِيمَاءِ.
وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ مِنْ لَفْظِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فِي سِيَاقِ كَلَامٍ لَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّعْلِيلِ بِالِاطِّرَادِ وَالسَّلَامَةِ عَنْ النَّوَاقِضِ فَصْلًا وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إذَا ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الْعِلَلَ تُسْتَخْرَجُ وَتَصِحُّ بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ وَالِاطِّرَادِ فِي مَعْلُولَاتِهَا، فَإِنْ عَارَضَهَا أَصْلٌ يَدْفَعُهَا عُلِمَ فَسَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْهَا أَصْلٌ صَحَّتْ فَأَخْبِرُونِي: إذَا انْتَزَعْتُمْ عِلَّةً مِنْ أَصْلٍ، فَانْتَزَعَ مُخَالِفُوكُمْ عِلَّةً أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute