للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَالٍ، فَكَأَنَّهُ مَسْتُورٌ أُخْرِجَ بِالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا بِالطُّعْمِ، فَكَأَنَّ الْمُجْتَهِدَ أَخْرَجَ الْعِلَّةَ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَخْرِيجًا. بِخِلَافِ (التَّنْقِيحِ) فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَخْرَجْ، لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا فِي النَّصِّ، بَلْ نَقَّحَ الْمَنْصُوصَ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ وَتَرَكَ مَا لَا يَصْلُحُ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا الِاجْتِهَادُ، الْقِيَاسُ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ. وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ: هُوَ الْأَغْلَبُ فِي مُنَاظَرَاتِهِمْ، لِأَنَّهُ بِهِ يَظْهَرُ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَتُوَجَّهُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَسْئِلَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيَانَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ " تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ " وَإِثْبَاتُهُ فِي الْفَرْعِ " تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ ". أَيْ إذَا ظَنَنَّا أَوْ عَلِمْنَا الْعِلَّةَ ثُمَّ نَظَرْنَا وُجُودَهَا فِي الْفَرْعِ وَظَنَنَّا تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ فَهُوَ تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ.

[أُمُورٌ تَتَّصِلُ بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ] وَهَاهُنَا أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ لَيْسَ دَالًّا عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِعَيْنِهِ، بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى اشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ، بِخِلَافِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَعْيِينِ الْعِلَّةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى عِلِّيَّتِهَا. فَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ مِنْ طُرُقِ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِعَيْنِهَا أَصْلًا، بَلْ هُوَ مِنْ طُرُقِ إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ. قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ".

الثَّانِي: ذَكَرَ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّ تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ لَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُؤَثِّرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَسْتَقِرُّ بِالدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً، بَلْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ دَلِيلُ الْحَذْفِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُؤَثِّرِ. وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ فِي جَدَلِهِ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْحَذْفِ إنَّمَا أَفَادَنَا كَوْنَ الْحَذْفِ غَيْرَ مُرَادٍ، فَأَمَّا كَوْنُ الْبَاقِي مُرَادًا فَإِنَّمَا اسْتَفَدْنَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ فَكَانَ مُؤَثِّرًا إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْمُؤَثِّرِ فِي الرُّتْبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>