الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الدِّينِ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ هُوَ مَسْلَكُ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، فَلَا يَحْسُنُ عَدُّهُ نَوْعًا آخَرَ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَصْرَ فِي دَلَالَةِ السَّبْرِ لِتَعْيِينِ الْعِلَّةِ إمَّا اسْتِقْلَالًا أَوْ اعْتِبَارًا. وَفِي نَفْيِ الْفَارِقِ لِتَعْيِينِ الْفَارِقِ وَإِبْطَالِهِ، لَا لِتَعْيِينِ الْعِلَّةِ، بَلْ هُوَ نَقِيضُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ هُنَاكَ عَيَّنَ جَامِعًا بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ، وَعَيَّنَ هُنَا الْفَارِقَ بَيْنَهُمَا
تَنْبِيهٌ:
عَدَّ صَاحِبُ " الْمُقْتَرَحِ " مِنْ الْمَسَالِكِ (نَفْيَ الْفَارِقِ) بِأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْفَرْعَ لَمْ يُفَارِقْ الْأَصْلَ إلَّا فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ، فَيَلْزَمُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْمُؤَثِّرِ، كَالسِّرَايَةِ فِي الْأَمَةِ، قِيَاسًا عَلَى الْعَبْدِ. وَهُوَ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَيَّنَ عِلَّةٌ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَلِهَذَا لَمْ يُعِدَّهُ أَحَدٌ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ مِنْ مَسَالِكِ التَّعْلِيلِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ (السَّبْرِ) ، إلَّا أَنَّهُ فِي السَّبْرِ يَبْطُلُ الْجَمْعُ إلَّا وَاحِدًا. وَفِي نَفْيِ الْفَارِقِ يَبْطُلُ وَاحِدٌ فَتَتَعَيَّنُ الْعِلَّةُ بَيْنَ الْبَاقِي، وَالْبَاقِي مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ، فَيَلْزَمُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْعِلَّةِ ثُمَّ عَلَى أَصْلِهِ. وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ: فَإِنْ كَانَتْ مُقَدِّمَاتُهُ قَطْعِيَّةً فَهُوَ صَحِيحٌ، أَوْ ظَنِّيَّةً لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الْقَطْعَ بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فِي الْفَرْعِ لَمْ يَحْصُلْ، وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ
وَعَدَّ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ طُرُقِ الْعِلَّةِ أَنْ لَا يَجِدَ الدَّلِيلَ عَلَى عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الْقَائِسِ إذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ الْعِلَّةَ الَّتِي اسْتَنْبَطَهَا عَلَى مُبْطِلَاتِ التَّعْلِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَادِحًا، وَعَرَضَهَا عَلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا مَا يُنَافِي عِلَّتَهُ، فَيَحْكُمُ بِسَلَامَةِ الْعِلَّةِ حِينَئِذٍ. وَأَطْنَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي تَغْلِيطِهِ، وَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute