اعْتِرَافُ الْمُسْتَدِلِّ بِذَلِكَ. وَتَسْمِيَتُهُ نَقْضًا صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ رَآهُ قَادِحًا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَهُ قَدْحًا فَلَا يُسَمِّيهِ نَقْضًا بَلْ يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ. وَقَدْ بَالَغَ أَبُو زَيْدٍ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُسَمِّيه نَقْضًا، كَقَوْلِنَا فِيمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ: صَوْمٌ تَعَرَّى أَوَّلُهُ عَنْ النِّيَّةِ فَلَا يَصِحُّ، فَيُقَالُ: فَيَنْتَقِضُ بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ. وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا مَنْصُوصَةٌ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا أَوْ مُسْتَنْبَطَةٌ وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا إمَّا لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ دُونَهُمَا. فَصَارَتْ الصُّوَرُ تِسْعًا، مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى بِضْعَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا: طَرَفَانِ، وَالْبَاقِي أَوْسَاطٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ أَوْ لَا لِمَانِعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ كَمَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيَّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَنَسَبُوهُ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَرَجَّحُوا أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ عِلَلَهُ سَلِيمَةٌ عَنْ الِانْتِقَاضِ جَارِيَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا، وَأَنَّ النَّقْضَ يُشْبِهُ تَجْرِيحَ الْبَيِّنَةِ الْمُعَدَّلَةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.
وَالثَّانِي: لَا يَقْدَحُ مُطْلَقًا فِي كَوْنِهَا عِلَّةً فِيمَا وَرَاءَ مَحَلِّ النَّقْضِ، وَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ مَانِعٍ أَوْ تَخَلُّفُ شَرْطٍ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute