وَقَالَ الْبَاجِيُّ: حَكَاهُ الْقَاضِي وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا نَصَرَهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَالِّهَا وَمَوَارِدِهَا كَالْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَوْضُوعَاتِهَا، فَكَمَا جَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ وَإِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَامِّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْمَعْلُولِ، إذْ هُوَ مَعْنَاهَا، فَإِذَا انْتَفَى الِاسْتِلْزَامُ فَقَدْ انْتَفَى لَازِمُ الْعِلَّةِ فَتَنْتَفِي الْعِلِّيَّةُ. وَهَذَا مُفَارِقٌ الْعَامَّ، لِأَنَّ الْعَامَّ إمَّا أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ إلَى الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَتِلْكَ لَا تَنْتَفِي بِالتَّخْصِيصِ، وَإِمَّا أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ إلَى الْإِرَادَةِ لِلْبَاقِي.
وَالثَّالِثُ: لَا يَقْدَحَ فِي الْمَنْصُوصَةِ، وَيَقْدَحُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُعْظَمِ فَقَالَ: ذَهَبَ مُعْظَمُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّ النَّقْضَ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ. ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةُ: عِلَّةِ الشَّارِعِ هَلْ يَرِدُ عَلَيْهَا مَا يُخَالِفُ طَرْدَهَا؟ ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ فِي التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، فَإِنَّ مُسْتَنَدَهُ ظَنِّيٌّ. وَإِذَا تَبَاعَدَ مَا اسْتَنْبَطَهُ عَنْ الْجَرَيَانِ ضَعُفَتْ مَسَالِكُ ظَنِّهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ. وَقَالَ فِي " الْمَحْصُولِ ": زَعَمَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ إذَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ لَمْ يَقْدَحْ التَّخْصِيصُ فِي عِلِّيَّتِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَنْصُوصَةِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ " التَّنْقِيحِ " وَحَكَى بَعْضُ الْمُنَاظِرِينَ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ وَيَقْدَحُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.
وَالرَّابِعُ: يُبْطِلُ الْمَنْصُوصَةَ دُونَ الْمُسْتَنْبَطَةِ، عَكْسُ مَا قَبْلَهُ. حَكَاهُ ابْنُ رَحَّالٍ فِي " شَرْحِ الْمُقْتَرَحِ ". وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْصُوصَةِ بِغَيْرِ قَطْعِيٍّ.
وَالْخَامِسُ: لَا يَقْدَحُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ أَوْ شَرْطٍ، وَيَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَقَالُوا: لَعَلَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْآمِدِيَّ، وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَنْدَفِعُ مِنْ كَلَامِهِ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ رَحَّالٍ أَيْضًا فِي " شَرْحِ الْمُقْتَرَحِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute