إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " تَدْرِيسِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ " عَلَّقَهُ عَنْهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ، أَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: إطْلَاقُ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَعْضُ سَائِغٌ. وَأَمَّا الْمُعَلِّلُ بِلَفْظٍ عَامٍّ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إذَا نُقِضَ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَقَالَ: إنَّمَا أَرَدْت كَذَا، إذْ لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَمَا تُصُوِّرَ إبْطَالُ عِلَّةٍ أَصْلًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إنَّمَا يُخَاطِبُ لِيُفْهِمَ صَاحِبَهُ وَيَفْهَمَ عَنْهُ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَيُؤَخِّرَ الْبَيَانَ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَيُخَاطِبَ بِمُحْتَمَلٍ، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يُعَلِّلَ الْعِلَّةَ مُجْمَلَةً وَيُفَسِّرَهَا. (قَالَ) : وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ (قَالَ) : وَمُجَوِّزُهُ لَا يُمَيِّزُ. انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ قَدْ يَسْتَشْكِلُ بِمَا حَكَاهُ فِي " الْبُرْهَانِ " عَنْ الْأُسْتَاذِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ فِي عِلَّةِ الشَّارِعِ: يَجِبُ اطِّرَادُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا مَا يُخَالِفُ طَرْدَهَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ وُرُودَهَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَحَلَّ النَّقْضِ وَأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهَا عِلَّةً فِيمَا وَرَاءَهُ، وَذَلِكَ مَقْبُولٌ مِنْهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ: إنَّمَا أَرَدْت أَنَّهَا عِلَّةٌ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْمُخْرَجِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ لِأَنَّهُ كَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ.
وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَحْصُولِ ": قَوْلُهُمْ: إنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ مَرْدُودٌ، لِأَنَّهُ إذَا فَسَّرْنَا الْعِلَّةَ بِالدَّاعِي أَوْ بِالْمُوجِبِ لَمْ نَجْعَلْ الْعَدَمَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ، بَلْ كَاشِفًا عَنْ حُدُوثِ الْعِلَّةِ، وَمَنْ يُجَوِّزُ التَّخْصِيصَ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ. وَإِنْ فَسَّرْنَا بِالْأَمَارَةِ ظَهَرَ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ بِالْمُنَاسَبَةِ بَحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْعَدَمِيِّ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مُنَاسَبَةً صَحَّحَ الْعِلَّةَ وَإِلَّا أَبْطَلَهَا. وَمَنْ يُجَوِّزُ التَّخْصِيصَ لَا يَطْلُبُ الْمُنَاسَبَةَ أَلْبَتَّةَ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ. وَمَا ذَكَرُوا مِنْ تَكَرُّرِ وُجُودِ الْغَيْمِ وَلَا مَطَرَ مَعَ أَنَّ كَوْنَهَا أَمَارَةً لَمْ يَزُلْ، قَدْ رَدَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute