فَصْلٌ
إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ فَوَاضِحٌ، وَطَرِيقُهُ فِي الدَّفْعِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ صُورَةَ النَّقْضِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ يُظْهِرُ الْمُعَلِّلُ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، كَمَا لَوْ قَالَ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُثْقَلِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحَدَّدِ، فَإِنْ نُقِضَ بِقَتْلِ الْوَالِدِ فَإِنَّ الْوَصْفَ فِيهِ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ، قُلْنَا: تَخَلَّفَ لِمَانِعٍ، وَهُوَ أَنَّ الْوَالِدَ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْوَلَدِ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِانْعِدَامِهِ. وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَقْدَحُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَنْعِهِ، وَلَهُ طُرُقٌ:
أَحَدُهَا: - مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ بِتَمَامِهَا فِي صُورَةِ النَّقْضِ، لَا عِنَادًا، بَلْ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ قَيْدٍ مُنَاسِبٍ أَوْ مُؤَثِّرٍ فِي الْعِلَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، كَقَوْلِنَا: طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ فَشَرْطٌ فِيهَا النِّيَّةُ، كَالتَّيَمُّمِ. فَإِنْ نُقِضَ بِالطَّهَارَةِ عَنْ النَّجَاسَةِ، قُلْنَا: لَيْسَ الْحَدَثُ كَالنَّجَاسَةِ. وَقَوْلُنَا فِيمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا: تَعَرَّى أَوَّلَ صَوْمِهِ عَنْ النِّيَّةِ فَلَا يَصِحُّ. فَإِنْ نُقِضَ بِالتَّطَوُّعِ قُلْنَا: الْعِلَّةُ عَدَا أَوَّلُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لَا مُطْلَقُ الصَّوْمِ.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: سَأَلْت بَعْضَ شُيُوخِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَرْجِعُ إلَى شَطْرِهَا لِعُذْرٍ فَكَانَ التَّرْتِيبُ مِنْ شَرْطِهَا. أَصْلُهُ الصَّلَاةُ. فَيَنْقُضُهُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: إنَّمَا عَلَّلْتُ لِإِلْحَاقِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ، وَهُوَ نَوْعُ طَهَارَةِ الْحَدَثِ بِنَوْعِ الصَّلَاةِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي طَهَارَةٍ فِيهَا تَرْتِيبٌ وَاجِبٌ. فَأَمَّا تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ فَلَمْ أَقْصِدْ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْت مِنْ الْعِلَّةِ مَنْقُوضٌ بِكَذَا فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ، وَيُطَالِبَهُ بِالدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ. وَهَذِهِ الْمُطَالَبَةُ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا فِي صُورَةِ النَّقْضِ ظَاهِرًا أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ كَقَوْلِهِمْ: طَهَارَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute