فَإِنَّ تَحَقُّقَ الطَّهَارَةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعْلُومٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَقَوْلِهِ: الطُّعْمُ عِلَّةُ الرِّبَا، فَيَقُولُ: هُوَ مَنْقُوضٌ بِالطِّينِ أَوْ الْمَاءِ، فَيَمْنَعُ الْمُعَلِّلُ وُجُودَ الطُّعْمِ فِي الْمَاءِ فَهَلْ لِلْمُعْتَرِضِ الِاسْتِدْلَال عَلَى وُجُودِهَا؟ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ مَسْأَلَةٍ قَبْلَ تَمَامِهَا إلَى أُخْرَى، لِأَنَّهُ انْتَقَلَ مِنْ دَعْوَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ إلَى دَعْوَى وُجُودِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْقَاعِدَةِ، إذْ يَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا. وَقِيلَ: يُمْكِنُ مِنْهُ تَحْقِيقًا لِلنَّقْضِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ: إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْمُعْتَرِضِ فِي هَدْمِ كَلَامِ الْمُسْتَدِلِّ وَجَبَ قَبُولُهُ مِنْهُ، تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقَدَحُ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَلَا يُمَكَّنُ الْمُعْتَرِضُ مَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا. كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَالَ الْقُطْبُ الشِّيرَازِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ فِي سِوَاهُ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ، وَهُوَ عَجَبٌ، فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَرَوِيِّ تِلْمِيذُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فِي كِتَابِهِ " الْمُقْتَرَحِ " غَيْرَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّرْعِيِّ وَغَيْرِهِ بِنَشْرِ الْكَلَامِ فِيهِ جِدًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَبِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ قَرِيبٌ.
وَجَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِالْمَنْعِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ إذَا أَرَادَ كَشْفَهُ عَنْ أَصْلِ الْعِلَلِ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ لِلْمُعَلِّلِ مَنْعَهُ. وَ [أَوْرَدَ] الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ الْمَحْصُولِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِانْتِقَالٍ (قَالَ) : وَيَعُودُ مَنَاطُ الْخِلَافِ إلَى أَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ: هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الدَّلِيلِ أَمْ لَا؟ وَيُلْزَمُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ إثْبَاتَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ بِالدَّلِيلِ أَنْ لَا يَسْمَعَ مِنْ الْمُعَلِّلِ إثْبَاتَ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ بِالدَّلِيلِ، فَإِنْ قَالَ: أَقُولُهُ وَلَا أَسْمَعُ مِثْلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْجَدَلِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا لَا يُسْمَعُ اقْتِرَاحًا لَا يَقُولُهُ اسْتِدْلَالًا، فَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْت مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute