ثَمَّ اخْتَصَّ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى، وَبِالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا. وَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِ عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، وَلِهَذَا الْتَزَمُوا الطَّرْدَ وَالْعَكْسُ فِي بَابِ الرِّبَا، بِأَنَّ حُكْمَ الرِّبَا لَا يَثْبُتُ اتِّفَاقًا دُونَ عِلَّةِ الرِّبَا وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُبَاحَثَةٍ لَهُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ إلْكِيَا: وَعَلَى هَذَا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَمَنْ أَثْبَتَ عَلَامَةً عَلَى حُكْمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْصِبَ ضِدَّهَا، فَإِنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ وَثَبَتَ بِهَا فَذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ نَتِيجَةَ الْعِلَّةِ لَا يَبْقَى دُونَ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ النَّتِيجَةَ لَا تَبْقَى دُونَ النَّاتِجِ. وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا سُؤَالَ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَلَسْت أَرَى لَهُ وَجْهًا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُعَلِّلُ التَّأْثِيرَ لِعِلَّتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ مَا أُقِيمَ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا بِالتَّأْثِيرِ. وَقَدْ ذَكَرَ مَشَايِخُ أَصْحَابِنَا فِي سُؤَالِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَتَصْحِيحِهِ كَلَامًا طَوِيلًا وَعَدُّوهُ سُؤَالًا قَوِيًّا، وَقَالُوا: إذَا أَوْرَدَ السَّائِلُ هَذَا السُّؤَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ الْمُعَلِّلُ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ تَأْثِيرًا فِي طَرْدِ الْعِلَّةِ وَالْمَأْخُوذِ عَلَى الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ، وَعَلَّلَ الشَّارِعُ شَرْطَهَا الِاطِّرَادَ دُونَ الِانْعِكَاسِ، بَلْ إذَا كَانَتْ مُطَّرِدَةً مُنْعَكِسَةً تَرَجَّحَ صِحَّةُ الْعِلَّةِ.
وَقَدْ قَسَّمَ أَهْلُ النَّظَرِ عَدَمَ التَّأْثِيرِ إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ الْعَكْسِ السَّابِقِ، كَقَوْلِنَا: صَلَاةُ الصُّبْحِ لَا تُقْصَرُ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute