للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْمَغْرِبِ. فَقَوْلُهُ: " لَا تُقْصَرُ " وَصْفٌ طَرْدِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَصْفِ التَّقْدِيمِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى طَلَبِ الْمُنَاسَبَةِ.

وَقَدْ تَنَاظَرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ نِكَاحِ أُخْتِهَا الْبَائِنَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: النِّكَاحُ كَانَ مُحَرَّمًا وَقَدْ زَالَ النِّكَاحُ وَلَمْ يَبْقَ تَحْرِيمٌ، فَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الْعِلَّةِ غَيْرُ النِّكَاحِ وَلَمْ يَرَ الْعِدَّةَ عُلْقَةً مِنْ عَلَائِقِ النِّكَاحِ، لَكِنَّهُ قَالَ: يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ تَوَقُّعُ جَمْعِ الْمَاءِ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ صَحَّ ذَلِكَ فَإِذَا خَلَّاهَا وَطَلَّقَهَا وَشَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ فَهَلَّا جَازَ نِكَاحُ أُخْتِهَا، إذْ لَا جَمْعَ فِي الْمَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْعَكْسِ الْمَرْدُودِ، فَلَا يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ فِي غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ: مُعَلَّلَةٌ بِعِلَّةٍ أُخْرَى، إذْ التَّحْرِيمُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْجَمْعِ، وَلَا ثَالِثَ، فَلَا يَبْقَى بَعْدَهَا إلَّا صُورَةُ الْعِدَّةِ، وَلَا نَظَرَ إلَيْهَا.

الثَّانِي: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ بِكَوْنِهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْأَصْلِ، لِوُجُودِ مَعْنًى آخَرَ مُسْتَقِلٍّ بِالْغَرَضِ. كَقَوْلِنَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَلَا يَصِحُّ، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ. فَنَقُولُ: لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ، فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّسْلِيمِ كَافٍ، لِأَنَّ بَيْعَ الطَّيْرِ لَا يَصِحُّ إنْ كَانَ مَرْئِيًّا. وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُلْغِي مِنْ الْعِلَّةِ وَصْفًا ثُمَّ يُعَارِضُ الْمُسْتَدِلَّ بِمَا بَقِيَ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَسَادُ الْعِلَّةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ: بَلْ يَصِحُّ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، كَالشَّاهِدِ الثَّالِثِ بَعْدَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ لَيْسَ مَحَلَّهُ وَلَا وَصْفًا لَهُ فَذِكْرُهُ لَغْوٌ، بِخِلَافِ الشَّاهِدِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ يَتَهَيَّأُ لَأَنْ يَصِيرَ عِنْدَ ذَلِكَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ رُكْنًا. (قَالَ) : وَأَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>