إمَّا أَنْ يُذْكَرَ لِدَفْعِ نَقْضِ مَا لَوْلَاهُ لَوَرَدَ أَوَّلًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِدَفْعِ النَّقْضِ فَهُوَ هَدَرٌ، وَإِلَّا فَالطَّارِدُونَ جَوَّزُوا ذِكْرَهُ لِدَفْعِ النَّقْضِ. وَغَيْرُهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إذَا كَانَ النَّقْضُ مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِثْنَاءِ فَذِكْرُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الدَّلِيلِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِثْنَاءِ لَا تَأْثِيرَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَجَعَلَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ " كَوْنَ عَدَمِ التَّأْثِيرِ مِنْ الْقَوَادِحِ مَبْنِيًّا عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِالشَّخْصِ بِعِلَّتَيْنِ. فَإِنْ جَوَّزْنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لَمْ يَقْدَحْ. وَسَبَقَهُ إلَى الْبِنَاءِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: كُلُّ مَا فُرِضَ جَعْلُهُ وَصْفًا فِي الْعِلَّةِ مِنْ طَرْدِيٍّ إنْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِفًا بِهِ، فَقِيلَ: مَرْدُودٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَكُونُ غَيْرَ مَرْدُودٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِدَفْعِ النَّقْضِ الصَّحِيحِ إلَى النَّقْضِ الْمَكْسُورِ، وَهَذَا صَعْبٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ.
الثَّالِثُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا، بِأَنْ تَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الْحُكْمِ، إمَّا ضَرُورِيَّةٌ كَقَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْأَحْجَارِ: عِبَادَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْأَحْجَارِ لَمْ تَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ فَاشْتَرَطَ فِيهَا الْعَدَدَ كَالْجِمَارِ. وَإِمَّا غَيْرَ ضَرُورِيَّةٍ. فَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الضَّرُورِيَّةَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى. وَإِلَّا فَتُرَدُّ. مِثَالُهُ قَوْلُنَا: الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ، كَالظُّهْرِ، فَإِنَّ قَوْلَنَا: " مَفْرُوضَةٌ " حَشْوٌ، إذْ لَوْ حُذِفَ لَمْ يُنْتَقَضْ بِشَيْءٍ، لَكِنْ ذُكِرَ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ بِتَقْوِيَةِ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا، إذْ الْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ قَادِحٌ كَانَ هَذَا قَادِحًا بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ ": هَذَا الْقِسْمُ أَصْعَبُ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ.
الرَّابِعُ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ، كَقَوْلِهِمْ، زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَنَقُولُ: " غَيْرِ كُفْءٍ " لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّ النِّزَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute