أَنَّ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ عَلَيْهِ، لَا لَهُ، هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاعْتِرَاضَاتِ، وَلَا يُتَّجَهُ فِي قَبُولِهِ خِلَافٌ. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمِثَالِ الِاعْتِكَافِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، هَلْ هُوَ اعْتِرَاضٌ أَوْ مُعَارَضَةٌ؟ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ، لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ يُعَارِضُ دَلَالَةَ الْمُسْتَدِلِّ بِدَلَالَةٍ أُخْرَى. (قَالَ) : وَلِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ:
مِنْهَا: أَنَّهُ إنْ قِيلَ: إنَّهُ مُعَارَضَةٌ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، كَالنِّكَاحِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ اعْتِرَاضٌ لَمْ تَجُزْ فِيهِ الزِّيَادَةُ. انْتَهَى. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ عَنْ " الْمَحْصُولِ ". وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ كَدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يَتَعَذَّرُ بِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، بِخِلَافِ الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ مَنْعٌ لِلدَّلِيلِ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَيَكُونُ كَالْكَذِبِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ حَيْثُ يَقُولُ مَا لَمْ يَقُلْ.
وَمِنْهَا: إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَارَضَةٌ جَازَ قَلْبُهُ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ كَمَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ: لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى الشِّرَاءِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: أَنَا أَقْلِبُ هَذَا الدَّلِيلَ وَأَقُولُ: تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَلَا يَقَعُ لِمَنْ أَضَافَهُ إلَيْهِ، كَالشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَصْلُحُ لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لَهُ، بَلْ صَحَّ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ الْفُضُولِيُّ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ اعْتِرَاضٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَنْعٌ، وَالْمَنْعُ لَا يَمْنَعُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُعَارَضَةٌ جَازَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ اعْتِرَاضًا لَمْ يَجُزْ وَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْمَنْعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُعَارَضَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مُعَارَضَةً قَبِلَ فِيهِ التَّرْجِيحَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ اعْتِرَاضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute