مِمَّنْ قَبِلَ أَصْلَ الْقَلْبِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصْرِيحُ فِيهِ بِحُكْمِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِي الْأَصْلِ نَفْيٌ، وَفِي الْفَرْعِ إثْبَاتٌ.
وَالثَّانِي: وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّ الشَّارِعَ لَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: أَقْصِدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِيقَاعِ كَانَ صَحِيحًا. وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَسْتَنْبِطَ وَيُعَلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ.
وَجَوَابُهُ: إمَّا بِإِمْكَانِ صِحَّةِ الْقَلْبِ أَوْ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ بِمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعِلَلِ الْمُبْتَدَأَةِ فَنَقُولُ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ لَا تَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ عِنْدَك الْمَائِعَ فِي الْوُضُوءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.
وَقِيلَ: مِنْ أَجْوِبَتِهِ: أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْته مُصَرَّحٌ بِهِ، وَاَلَّذِي عَارَضْتَنِي بِهِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ.
الثَّالِثُ: الْقَلْبُ الْمَكْسُورُ
وَهُوَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْمُسْتَدِلِّ، كَاسْتِدْلَالِ الْمَالِكِيِّ عَلَى صِحَّةِ ضَمِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُمَا مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ بِكُلِّ حَالٍ فَضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ. فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ: أَقْلِبُ هَذِهِ الْعِلَّةَ فَأَقُولُ: مَالَانِ زَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ، وَهُمَا مِنْ وَصْفٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ بِالْقِيمَةِ، كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ
الرَّابِعُ الْقَلْبُ الْمُبْهَمُ
وَهُوَ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ تَسْوِيَةً، كَقَوْلِهِمْ فِي الْكُسُوفِ: صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فَلَا يُثَنَّى فِيهَا الرُّكُوعُ، كَالْعِيدَيْنِ. فَيَقْلِبُهُ وَيَقُولُ: صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ تَخْتَصُّ بِزِيَادَةٍ، كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِخُصُوصِ الزِّيَادَةِ هَلْ هِيَ رُكُوعٌ أَوْ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ تَعَرَّضَ لِخُصُوصِهَا فِي الرُّكُوعِ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute