الْعَمَلِ ثُمَّ تَخَيَّلَ مَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مَانِعًا، فَيَعْمِدُ الْمُسْتَدِلُّ إلَى ذَلِكَ الْمَانِعِ فَيُبْطِلُهُ لِيَسْلَمَ الْمُقْتَضِي فَيَلْزَمُ الْخَصْمَ الْمُوَافَقَةُ. هَذَا ظَنُّ الْمُسْتَدِلِّ، وَيَكُونُ الْمُعْتَرِضُ مَثَلًا لَا يُوَافِقُهُ عَلَى الْمُقْتَضِي، أَوْ يُوَافِقُهُ وَلَكِنَّ الْمَانِعَ عِنْدَهُ أَجْنَبِيٌّ عَمَّا يُخَيِّلُ الْمُسْتَدِلُّ، أَنَّهُ الْمَانِعُ عِنْدَهُ، أَوْ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ وَلَكِنَّهُ جُزْءُ الْمَانِعِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَلْبِ الْمَاهِيَّةِ عَنْ الْجُزْءِ سَلْبُ الْمَاهِيَّةِ عَنْ الْكُلِّ، أَوْ مَانِعٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ آخَرُ. وَإِذَا جَازَ تَعَدُّدُ الْعِلَلِ جَازَ تَعَدُّدُ الْمَوَانِعِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَذْكُرَ الْمُسْتَدِلُّ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَيَسْكُتَ عَنْ الْأُخْرَى ظَنًّا أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ، فَيَقُولُ الْخَصْمُ بِمُوجَبِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَبْقَى عَلَى الْمَنْعِ، لِأَنَّهُ يُتَّجَهُ عَلَى مَنْعِ السُّكُوتِ عَنْهَا.
وَمِنْهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ تَلَازُمًا بَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَبَيْنَ مَحَلٍّ آخَرَ، فَيَنْصِبَ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَزِمَ أَنْ يَثْبُتَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ بِالْمُوجَبِ وَيَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ. انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ مِنْ أَحْسَنِ مَا يَجِيءُ بِهِ الْمُنَاظِرُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: ٨] . . . فِي جَوَابِ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: ٨] فَإِنَّهُمْ كَنَّوْا بِالْأَعَزِّ عَنْ فَرِيقِهِمْ وَبِالْأَذَلِّ عَنْ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَثْبَتُوا لِلْأَعَزِّ الْإِخْرَاجَ، فَأَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ صِنْفَ الْعِزَّةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: فَإِذَا كَانَ الْأَعَزُّ يُخْرِجُ الْأَذَلَّ فَأُنْتَمَ الْمُخْرَجُونَ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ وُجُوهِ الِاعْتِرَاضَاتِ، وَأَكْثَرُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى النُّصُوصِ تَرْجِعُ إلَيْهِ، لِأَنَّ النَّصَّ إذَا ثَبَتَ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالٌ إلَّا وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى تَسْلِيمِ النَّصِّ وَمَنْعِ لُزُومُ الْحُكْمِ مِنْهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إلَى حَيْدِ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالْمُعَارَضَةُ فِيهَا اعْتِرَافٌ بِمِسَاسِ الدَّلِيلِ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ. قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute