إلْكِيَا: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ إذَا لَمْ يَأْتِ الْمُعَلِّلُ بِمَا يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، بَلْ يَعْتَرِضُ لِإِبْطَالِ مَا ظَنَّهُ مُوجَبًا وَمُؤَثِّرًا عِنْدَ الْخَصْمِ وَالْمُؤَثِّرُ غَيْرُهُ، وَلَوْ صَرَّحَ بِنَفْسِ الْحُكْمِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَوَجُّهُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، تَبَعًا لِلْإِمَامِ: هُوَ سُؤَالٌ صَحِيحٌ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُمَانَعَةِ، وَلَا بُدَّ فِي تَوَجُّهِهِ مِنْ شَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَسْنُدَ الْحُكْمَ الَّذِي تُنْصَبُ لَهُ الْعِلَّةُ إلَى شَيْءٍ، مِثْلَ قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَاءِ الزَّعْفَرَانِ: مَاءٌ خَالَطَهُ طَاهِرٌ، وَالْمُخَالَطَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوُضُوءِ، فَيَقُولُ السَّائِلُ: الْمُخَالِطُ لَا يَمْنَعُ الْمَاءَ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ.
وَشَرَطَ فِي " الْمَنْخُولِ " لِصِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى الْخِلَافُ مَعَهُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، (قَالَ) : وَلَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَ النِّزَاعَ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إذَا أَجْمَلَ الْحُكْمَ، وَقَالَ: إنْ كَانَ كَذَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كَذَا، فَيَقُولُ بِمُوجَبِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، أَوْ يَتَعَرَّضَ لِنَفْيِ عِلَّةِ الْخَصْمِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَعْلِهِ مِنْ قَوَادِحِ الْعِلَّةِ صَرَّحَ بِهِ إلْكِيَا وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِمُوجَبِهَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ، وَلَا تَكُونُ مُتَنَاوِلَةً لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَسْلِيمُ مُوجَبِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ عَلِمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ الَّذِي قَصَدَ إثْبَاتَهُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ، الْجَدَلِيِّينَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوَادِحِ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِمُوجَبِ الدَّلِيلِ تَسْلِيمٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُفْسِدًا؟ وَحَكَى فِي " الْمَنْخُولِ " أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ لَا يُسَمَّى اعْتِرَاضًا؛ لِأَنَّهُ مُطَابَقَةٌ لِلْعِلَّةِ، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute