وَقَدْ عَدَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ " مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الصَّحِيحَةِ، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ الْأُصُولِيُّونَ تَارَةً يَقُولُونَ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ لَيْسَ اعْتِرَاضًا، وَهُوَ لَعَمْرِي كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ، لِأَنَّهُ إذَا جَرَتْ الْعِلَّةُ وَحُكْمُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَأَنْ تَجْرِيَ وَحُكْمُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْلَى قَالَ الْمُقْتَرِحُ فِي تَعْلِيلِهِ: إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ: لَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ مُطْلَقًا فَمُسَلَّمٌ، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي جَمِيعِ مَجَارِيهَا، وَإِنْ أَرَادُوا لَا تَبْطُلُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ إبْطَالُ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَصَدَّى الْمُعْتَرِضُ لَهُ، وَهُوَ إبْطَالُ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَيْسَ مُبْطِلًا لِلْعِلَّةِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا فِي جَمِيعِ مَجَارِيهَا.
وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي " النِّهَايَةِ ": إذَا تَوَجَّهَ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ انْقَطَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ: إنْ بَقِيَ النِّزَاعُ انْقَطَعَ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ النِّزَاعُ انْقَطَعَ السَّائِلُ (انْتَهَى)
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إبْدَاءُ سَنَدِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: يَجِبُ لِقُرْبِهِ إلَى ضَبْطِ الْكَلَامِ وَصَوْنِهِ عَنْ الْخَبْطِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَقُولُ بِالْمُوجَبِ عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، لِأَنَّهُ وَفَّى بِمَا عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ الْجَوَابُ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَأْخَذِ مَذْهَبِهِ، فَيَصْدُقُ فِيمَا يَقُولُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
ثُمَّ هُوَ إمَّا أَنْ يَرِدَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ دَفْعًا عَنْ مَذْهَبِهِ، أَوْ إبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْخِلَافِ مَعَ تَسْلِيمِ نَقِيضِ دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ إبْطَالُ مَدْرَكِ الْخَصْمِ إثْبَاتَ مَذْهَبِهِ هُوَ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ يَكُونُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ دَفْعًا عَنْ مَأْخَذِهِ لِئَلَّا يَفْسُدَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ إبْطَالًا لِمَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ، لِأَنَّهُمَا كَالْمُتَحَارَبِينَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقْصِدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ وَتَعْطِيلَ صَاحِبِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute